Sudan Undergoing a Late Version of Obama’s ‘Creative Chaos’

<--

السودان يعيش نموذجا متأخرا من نظرية أوباما (الفوضى الخلاقة)!

يمكنُ‭ ‬القولُ‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يشهدُه‭ (‬السودانُ‭) ‬حاليًا‭ ‬من‭ ‬أعمالِ‭ ‬عنفٍ‭ ‬ومظاهرات‭ ‬صاخبةٍ‭ ‬وسقوطِ‭ ‬قتلى‭ ‬بين‭ ‬المدنيين‭ ‬والشرطة‭ ‬أثناء‭ ‬الصدامات‭ ‬والمواجهاتِ‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬الخرطوم‭ ‬تكادُ‭ ‬تكون‭ ‬نسخةً‭ ‬كربونيةً‭ ‬مطابقة‭ ‬لما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدولِ‭ ‬العربية‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬أثناء‭ ‬تنفيذِ‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ (‬باراك‭ ‬أوباما‭) ‬ووزيرة‭ ‬خارجيته‭ ‬آنذاك‭ (‬هيلاري‭ ‬كلينتون‭) ‬مخطط‭ ‬ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬لإسقاطِ‭ ‬الأنظمةِ‭ ‬العربية،‭ ‬واعتبرت‭ ‬الإدارةُ‭ ‬الأمريكيَّةُ‭ (‬الأوبامية‭) ‬تلك‭ ‬الكوارثَ‭ ‬المفتعلةَ‭ (‬الفوضى‭ ‬الخلَّاقة‭)!‬

ومتابعة‭ ‬سريعة‭ ‬لمواقف‭ ‬الدولِ‭ ‬الأوروبيَّةِ‭ ‬وبريطانيا‭ ‬لما‭ ‬يحدثُ‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬حاليا‭ ‬توصلًنا‭ ‬إلى‭ ‬النتيجةِ‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬مواقف‭ ‬أوروبا‭ ‬تسيرُ‭ ‬خلفَ‭ ‬المخططِ‭ ‬الأوبامي‭ ‬التدميري‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا‭ ‬وتونس‭ ‬واليمن‭ ‬والبحرين،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬التجربةِ‭ ‬الليبية‭ ‬تدخلت‭ ‬أوروبا‭ ‬وحلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬بالقصفِ‭ ‬العسكري‭ ‬بالطائرات‭ ‬لدعم‭ ‬مليشيات‭ (‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭) ‬و‭(‬القاعدة‭) ‬وتحقيق‭ ‬النصر‭ ‬للإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭! ‬تماماً‭ ‬مثلما‭ ‬حاولت‭ ‬أمريكا‭ ‬التدخلَ‭ ‬العسكري‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬لولا‭ ‬يقظةُ‭ (‬الجيش‭ ‬المصري‭) ‬إبان‭ ‬فوضى‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬وتحريك‭ ‬مصر‭ ‬لطائراتها‭ ‬الحربية‭ ‬لكبح‭ ‬جماح‭ ‬التهديد‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ (‬حسب‭ ‬شهادة‭ ‬هيلاري‭ ‬كلينتون‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭).‬

خلاصة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ (‬السودان‭) ‬يعيشُ‭ ‬حاليا‭ ‬نموذجًا‭ ‬متأخرا‭ ‬للفوضى‭ (‬الخلَّاقة‭) ‬التي‭ ‬رسمها‭ (‬أوباما‭) ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭! ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المصادفة‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬حدوثَ‭ ‬هذا‭ ‬الاستنساخ‭ ‬التدميري‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ (‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭) ‬في‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ (‬جو‭ ‬بايدن‭) ‬نفسه‭ ‬نائبًا‭ ‬للرئيس‭ (‬أوباما‭) ‬آنذاك،‭ ‬وكان‭ ‬متحمسا‭ ‬للتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬ما‭ ‬أسموه‭ (‬ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭)!‬

إذن‭ ‬الإدارةُ‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومعها‭ ‬حلفاؤها‭ ‬الأوروبيون‭ ‬قرروا‭ ‬استرجاعَ‭ ‬ملف‭ (‬أوباما‭) ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وإعادة‭ ‬إحيائه‭ ‬في‭ (‬السودان‭) ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬شعاراتهم‭ ‬المعهودة‭ ‬دائمًا‭ ‬بضرورة‭ (‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭) ‬في‭ ‬العالم‭! ‬ويتم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬تحريكُ‭ ‬الماكينةِ‭ ‬الإعلامية‭ ‬الغربية‭ ‬بقصد‭ (‬شيطنة‭) ‬المكون‭ ‬العسكري،‭ ‬ودك‭ ‬إسفين‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬المكون‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬المشترك‭.. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يفطن‭ ‬الطرفان‭ ‬في‭ ‬السودان‭ (‬العسكري‭ ‬والمدني‭) ‬إلى‭ ‬خبثِ‭ ‬سياسة‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬السوداني‭ ‬الحالي،‭ ‬فإن‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يدفعُ‭ ‬الثمنَ‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬وأرواح‭ ‬أبنائه،‭ ‬ويترددُ‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬السياسة‭ ‬السودانية‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ (‬طرفا‭ ‬ثالثا‭) ‬خفيا‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يندسُ‭ ‬بين‭ ‬المتظاهرين‭ ‬ويتعمد‭ ‬خلقَ‭ ‬الصداماتِ‭ ‬الدموية‭ ‬بقصد‭ ‬سقوط‭ ‬عدد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬القتلى‭ ‬في‭ ‬المواجهات‭ ‬أثناء‭ ‬المظاهرات‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬السودان‭.‬

تبقى‭ ‬مسألة‭ ‬أخرى‭ ‬مهمة‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬حاليا‭ ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬الصراعِ‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬مؤخرا‭ ‬صراعا‭ ‬واضحًا‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وأوروبا‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وروسيا‭ ‬والصين‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وقد‭ ‬لاحظنا‭ ‬اهتماماً‭ ‬متزايدا‭ ‬بالقارة‭ ‬الإفريقيةً‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬نفوذها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬بينما‭ ‬أبدت‭ ‬روسيا‭ ‬اهتماما‭ ‬سياسيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬لمنافسة‭ ‬النفوذ‭ ‬الغربي،‭ ‬وتحديدا‭ ‬ضد‭ ‬أمريكا‭ ‬وفرنسا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬الغربي‭ ‬الإفريقي‭.. ‬ولذلك‭ ‬قام‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ (‬أنتوني‭ ‬يلينكن‭) ‬بزيارة‭ ‬لثلاث‭ ‬دول‭ ‬إفريقية‭ ‬مؤخرا‭ ‬بينها‭ ‬مالي‭ ‬والسنغال،‭ ‬وحذر‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬مجموعةَ‭ ‬المرتزقة‭ ‬الروسية‭ (‬فاغنر‭) ‬من‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ (‬مالي‭)‬،‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬يعيش‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭.. ‬وقال‭ (‬بلينكن‭): ‬‮«‬فور‭ ‬وصول‭ ‬حكومة‭ ‬منتخبة‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ (‬في‭ ‬مالي‭) ‬سيكون‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬مستعدا‭ ‬لدعم‭ ‬مالي‭).. ‬وهي‭ ‬الدعوة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬وجهتها‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وأوروبا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬السودان‭ ‬بدعوة‭ ‬المكون‭ ‬العسكري‭ ‬إلى‭ ‬تسليم‭ ‬السلطة‭ ‬للمكون‭ ‬المدني‭! ‬مقابل‭ ‬المساعدات‭ ‬المالية‭!‬

لقد‭ ‬رفع‭ (‬أوباما‭) ‬نفسَ‭ ‬مسمار‭ (‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭) ‬عام‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬باهظةَ‭ ‬الثمن،‭ ‬حيث‭ ‬عاشت‭ ‬مصر‭ ‬لسنوات‭ ‬تحاربُ‭ (‬الإرهابَ‭) ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬سيناء‭ ‬والمدن‭ ‬المصرية‭!.. ‬ورفع‭ ‬الغرب‭ ‬وأوروبا‭ ‬الشعار‭ ‬نفسه‭ (‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭) ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬قُتل‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬أهلية‭ ‬طاحنة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬ورفعوا‭ ‬شعار‭ (‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭) ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬فأصبح‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬يئن‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمعيشية‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ (‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭) ‬لعشر‭ ‬سنوات‭! ‬ورفعوا‭ ‬شعار‭ (‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭) ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬فجاء‭ ‬الحوثيون‭ ‬عملاء‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬صنعاء‭! ‬الذين‭ ‬يطلقون‭ ‬صواريخهم‭ ‬البالستية‭ ‬ضد‭ ‬المدن‭ ‬السعودية‭!.. ‬ورفعوا‭ ‬شعار‭ (‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭) ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬فدخلت‭ ‬الدولة‭ ‬والشعب‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬يومية‭ ‬مع‭ ‬الإرهابيين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭! ‬ونتمنى‭ ‬بصدق‭ ‬ألا‭ ‬ينخدعَ‭ ‬الشعبُ‭ ‬السوداني‭ ‬بشعار‭ (‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭) ‬الأمريكي‭ ‬–‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬كما‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الاتفاق‭ ‬أمس‭ ‬بين‭ ‬البرهان‭ ‬وحمدوك‭ ‬بداية‭ ‬العقل‭ ‬الراجح‭ ‬في‭ ‬السودان‭.

About this publication