اللجنة الأمريكية للحرية الدينية.. مجددًا
(1)
«خلفية تاريخية»
أطلت علينا مرة أخرى اللجنة الأمريكية للحرية الدينية لدول العالم، بتقريرها السنوى- يصدر وفق تشريع من الكونجرس صدر فى أكتوبر 1998 المعروف باسم: القانون الأمريكى للحرية الدينية فى العالم حول وضع الحرية الدينية فى العالم- متضمنًا فصلًا عن مصر كما هى العادة.
وأزعجنى كثيرا ما ورد فيه. وأظن أن دراستى المبكرة لمسيرة الاهتمام الأمريكى بهذه المسألة تمنحنى الحق فى هذا الانزعاج وإدراك: أولًا: الفخاخ التى يتضمنها التقرير، وثانيًا: السياق الذى يصدر فيه التقرير وكيفية توظيفه فى الداخل والخارج الأمريكى (يمكن مراجعة كتابى الحماية والعقاب: الغرب والمسألة الدينية فى الشرق الأوسط منذ القانون العثمانى للرعاية المذهبية إلى القانون الأمريكى للحرية الدينية، كذلك كتابنا: الأصولية البروتستانتية والسياسة الخارجية الأمريكية باعتبارهما الكتابين الوحيدين فى هذا الشأن باللغة العربية حتى الآن فيما أعلم).. وقبل الحديث عن سر الانزعاج أشير إلى أمرين هما: أولًا: لجنة الحرية الدينية هى لجنة ذات وضعية خاصة تتكون من شخصيات عامة وفق القانون الأمريكى للحرية الدينية حول العالم.
وعلى اللجنة أن تصدر تقريرًا سنويًا فى نوفمبر من كل عام إضافة إلى تقرير الخارجية السنوى فى هذا المقام والذى يشرف على إعداده «سفير متجول». ثانيًا: مرت التقارير فى ثلاث مراحل منذ منتصف وحتى 2011.. وقد حرصت اللجنة على إصدار تقريرها السنوى إلا فيما ندر. بينما تعثرت فى المقابل الخارجية الأمريكية فى الحفاظ على دورية إصدار التقرير.
(2)
«المراحل التى مرت بها تقارير الحرية الدينية»
وحول المراحل التى مرت بها التقارير فنرصدها كما يلى: الأولى: «المرحلة التحريضية من 1995 إلى 1998»؛ وهى مرحلة سبقت إصدار القانون وكان يقودها التيار المحافظ الدينى وصدر خلالها تقريران مباشران حول الحرية الدينية إضافة إلى تقريرى الخارجية حول حقوق الإنسان اللذين تضمنا مساحة للحرية الدينية. المرحلة الثانية: «التدويلية من 1999 إلى 2005»؛ وأقصد بها ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية: «هيمنة كوكبية» من جهة، و«خرقًا للسيادة الوطنية» للدول الأخرى من جهة أخرى.. أى تدويل قانون تم صدوره من الكونجرس الأمريكى ـ أى صدر فى الداخل الأمريكى وفق الدستور الأمريكى ـ لكى يتم تطبيقه خارج نطاق الولايات المتحدة الأمريكية.
كذلك سحب قضايا الحرية الدينية فى الدول المختلفة خارج حدودها من جهة أخرى للمحاسبة وفق التشريعات الأمريكية. وهى المرحلة التى حاول فيها بوش الابن وخلفه المحافظون الجدد، السياسيون والدينيون، أن يؤسسوا للإمبراطورية الأمريكية. أما المرحلة الثالثة فقد أطلقنا عليها: «المرحلة الوظيفية من 2005 إلى 2011»؛ وهى المرحلة التى بدأ فيها أفول النزعة الإمبراطورية البوشية وتعرض العالم لأزمة مالية كارثية هى الأسوأ فى التاريخ الإنسانى؛ ما جعل الإدارة الأمريكية أن تعيد ترتيب أولوياتها من جانب.
وفى نفس الوقت تنامى الاهتمام المصرى من كل الأطراف بالشأن القبطى ووضعه فى سياقه الوطنى والمواطنى. وعليه فقدت التقارير أهميتها إلى حد كبير؛ ذلك لأنها باتت وصفية ونمطية. وأحيانًا كانت تتأخر تقارير الخارجية عن الصدور وفى بعض السنوات لم تتمكن من الصدور. وإن ظلت تقارير اللجنة فى الصدور.
(3)
«سر الانزعاج»
كانت تقارير المرحلة الثانية- التى وصفناها بالخطيرة آنذاك- تنظر لمصر باعتبارها دولة تتكون من «مجموعات دينية Religious Groups»، تنقسم مسيحيًا إلى مجموعات مسيحية Christian Groups، وإسلاميًا إلى مذاهب وعليه تم إدراج الشيعة والقرآنيين والأحمديين. وقلنا وقتها إنها فكرة «تفتيتية» تكرس مصر كدولة طائفية لا دولة تقوم على المواطنة بغض النظر عن تنوعها الداخلى: الدينى، والمذهبى، والسياسى، والفكرى… إلخ.
إلا أن تقرير هذه السنة يؤسس لمرحلة رابعة أخطر من المرحلة الثانية التدويلية- بالرغم من الثناء على مصر فى بعض المواضع فيما وصفه التقرير بالتغير الإيجابى فى أحوال الحرية الدينية- وذلك لسببين هما: أولًا: تأسيس النظر للأقباط كونهم «أقلية» دينية. ثانيًا: الدخول فى الكثير من المساحات التى تتجاوز مسألة الحرية الدينية وتمثل- فيما أظن- مساسًا بالسيادة الوطنية، إضافة إلى أن التقرير مكتوب بصياغة ملغومة تمثل تهديدًا حقيقيًّا لجميع الأطراف؛ لذا وجب التنبيه.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.