الهجوم الإرهابي للمتمردين الحوثيين على الإمارات.. وجهات نظر غربية
غالبا ما يقوم المتمردون الحوثيون في اليمن، بشن هجمات صاروخية متكررة ضد أهداف سعودية، باعتبار أن ذلك وسيلة فعالة لإلحاق الضرر بالبنية التحتية العسكرية والمدنية لها، بالنيابة عن طهران. ومع شن آلاف الهجمات على المملكة، منذ اندلاع الحرب الأهلية اليمنية في عام 2014، استمر التهديد الذي يمثله هؤلاء المتمردون وداعموهم الإيرانيون، بتوسيع نطاق العنف وإلحاق قتلى ودمار بدول أخرى في الشرق الأوسط.
وفي 17 يناير 2022، أعلن الحوثيون، مسؤوليتهم عن استهداف قافلة شاحنات نقل وقود، غرب أبو ظبي، باستخدام طائرات مسيرة «درونز»، محملة بالمتفجرات، فضلا عن حريق في منطقة إنشاءات داخل مطار أبو ظبي الدولي. وأدت تلك الهجمات -التي لا يزال نطاقها الكامل محل تحقيق- إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين، مما يعكس رغبة المتمردين في ارتكاب أعمال عنف متعمدة ضد مدنيين أبرياء. ووفقًا لصحيفة «وول ستريت جورنال»، لم يستبعد المسؤولون الإماراتيون احتمالية أن يكون الهجوم الحوثي، قد تضمن استخدام صواريخ كروز المتطورة.
ولا يعد استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة من قبل الحوثيين وغيرهم من الوكلاء المدعومين من إيران في الشرق الأوسط «حدثاً نادرًا»، فقد تم إطلاق المئات منها، خصوصا ضد السعودية. ووفقًا لتقرير صادر عن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، بلندن في ديسمبر2021، قام المتمردون الحوثيون بدعم من إيران، «بشن هجمات ضد مدنيين سعوديين، وأهداف بارزة للتحالف الذي تقوده الرياض في الخليج»، وجاء ذلك في أعقاب تدخل التحالف عام 2015 لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ضد المتمردين المسلحين، كما كشف أن عدد الهجمات قد تضاعف في عام 2021، مقارنة بعام 2020، بمتوسط 78 هجومًا شهريًا مباشرا ضد السعودية، بمجموع 702 هجمة على مدار العام. ومع ذلك، فإن استخدام الحوثيين لهذه الأسلحة ضد الإمارات، يمثل تصعيدًا واضحًا، ويبين أن دولًا أخرى في المنطقة معرضة لخطر مثل هذه الهجمات.
وفي حين أشار «جيمس روثويل»، في صحيفة «التلغراف»، أن هذا النوع من الهجمات على الإمارات «نادر»، فقد أوضح «أليستير بنكال»، من «سكاي نيوز»، أن «هذه ليست المرة الأولى، التي تستهدف فيها هذه الجماعة الإمارات بطائرات مسيرة»، لكن مثل هذه الهجمات «لم يزعم أحد القيام بها غالباً، أو قلل الإماراتيون من شأنها». وفي الواقع، هناك سابقة جديدة لشنهم هجمات مماثلة، ففي 3 يناير2022، استولى متمردون حوثيون على سفينة ترفع العلم الإماراتي في البحر الأحمر. وحتى الآن، يرفضون الإفراج عن الشحنة أو طاقم السفينة، على الرغم من حث الأمم المتحدة لهم على القيام بذلك. وبهذا الصدد، أشار «سيمون كير»، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إلى أن الهجوم السابق ذكره، قد فتح «جبهة أخرى» بالفعل في الصراع اليمني، وبالتالي، فإن هذا الحادث الإرهابي الأخير، يهدد بتوسيع الصراع أكثر في مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية.
ووفقا للعديد من المحللين، فإن الهجوم الإرهابي الحوثي، يهدف إلى الرد بشكل مباشر على دعم دول الخليج للقوات اليمنية، ضد تقدمهم العسكري في الأسابيع الأخيرة. وأشار «شعيب الموسوي»، و«فيفيان يي»، و«إيزابيلا كواي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، الى أنه في الأيام التي سبقت غارة الطائرات المسيرة، شنت قوات يمنية مدعومة من الإمارات، هجومًا ضد مقاتلين حوثيين في محافظة مأرب وسط اليمن، والتي يشتد النزاع عليها.
وبالنظر إلى أنه قبل هذا التصعيد الأخير للصراع، كانت هجمات الحوثيين ضد الإمارات نادرة الحدوث، فإن هناك اعتقاد أن الهجمات الأخيرة، ترقى إلى مستوى محاولة لردع أبو ظبي عن المشاركة بشكل أعمق في الصراع. ويرى «آدم بارون»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، الهجوم، «بمثابة تحذير» من الحوثيين للإمارات، لوقف مشاركتها في دعم العمليات البرية للحلفاء في اليمن. وبالمثل، أشار كل من «محمد حاتم»، و«دانا خريش»، و«زينب فتاح»، من وكالة «بلومبرج»، إلى أن هجوم الحوثيين على الناقلات في أبو ظبي، جاء «بعد أيام» من تحذير الجماعة المتمردة لها من تكثيف حملتها الجوية ضدها.
وجاءت الإدانة الدولية لهجوم الحوثيين سريعة، وفضلا عن الاعتراضات القوية من الإمارات ودول الخليج الأخرى، فقد أدان وزير الخارجية الأمريكية الهجوم، في حين أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي، «جيك سوليفان»، أن التزام واشنطن بأمن الإمارات «ثابت». وبالمثل، أصدرت «دائرة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي»، بيان إدانة شديد اللهجة، عقب أنباء الضربة التي وصفت فيها الهجمات على المدنيين، بأنها «غير مقبولة»، في حين شجب «جان إيف لودريان»، وزير الخارجية الفرنسي، الهجوم، ووصفه، بأنه «يهدد الاستقرار الإقليمي».
وفي ضوء هذه الديناميكيات، برزت مسألة تورط إيران في هذا الهجوم الإرهابي. وأشار «بورزو دراغاهي»، في صحيفة «ذي إندبندنت»، إلى أنه «بمساعدة إيران وحزب الله اللبناني، عزز الحوثيون وطوروا من دقة ونطاق طائراتهم المُسيرة وصواريخهم على مر السنين». ولاحظ تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية -سالف الذكر- أن الحوثيين «استفادوا بشكل متزايد من التحسينات في تكنولوجيا الطائرات المُسيرة، والذخائر الإيرانية المتطورة، والمركبات غير المأهولة، وحرب الألغام البرية والبحرية منذ عام 2017»، في حين سجل كل من «سون راسموسن»، و«ديون نيسنباوم»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، كيف «طور الحوثيون إصدارات متقدمة من طائراتهم المسيرة، قادرة على الضربات بعيدة المدى مع تحسين في دقة تصويبها إلى حد كبير».
وعن استخدام الطائرات المُسيرة في الهجمات الإرهابية، اعتبره «ثيودور كاراسيك»، من «معهد دول الخليج العربية»، «ثورة في الشؤون العسكرية»، حيث تسمح للحوثيين باستخدام ذخائر أرخص وأبسط في هجماتهم. وتم ربط أمثلة على ذلك بشكل مباشر بإيران، حيث تعرضت الناقلة «ميرسر ستريت» للهجوم في أغسطس 2021 في خليج عمان، بواسطة طائرات مسيرة تحمل متفجرات. ومع ذلك، فإن الاختلاف الرئيسي بين هاتين الحالتين، هو أن هجوم يناير 2022 على أبو ظبي، أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه، بينما في الحالات السابقة، حاولت إيران ووكلاؤها النأي بنفسهم عن المسؤولية. ووفقا لتقرير المركز، فإن وسائل الهجوم هذه «رخيصة جدًا بالنسبة للحوثيين والإيرانيين لإنتاجها». علاوة على ذلك، فإنه «في حين أن الطائرات المسيرة لا تسبب أضرارًا مادية كبيرة من تلقاء نفسها»، فإنها «تُظهر الضعف المستمر للبنية التحتية المدنية»، حيث كانت هجمات الحوثيين في نهاية المطاف «منخفضة التكنولوجيا نسبيًا».
ومن جانبه، علق وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ «عبدالله بن زايد آل نهيان»، بأن الحوثيين لم يكن بإمكانهم شن مثل هذا الهجوم «دون إذن أو تعليمات من إيران»، وهو الأمر الذي أشار إليه وزير الخارجية الفرنسي، «لو دريان»، فيما أعرب العديد من المحللين عن قلقهم من أن هذا الهجوم، قد يعرقل الجهود الأخيرة للحد من التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط. ووصف «دراغاهي»، هذا العمل، بأنه «تصعيد محتمل للصراع المستمر منذ سبع سنوات» بين الحوثيين، والتحالف بقيادة السعودية. وعلق «كاراسيك»، بأنه يتزامن مع «المنعطف الجوهري»، الذي تشهده مسارات قضايا الشرق الأوسط، من حيث وجود «رغبة حقيقية في خفض حدة التوترات في منطقة الخليج»، كما أن كلا من «حاتم»، و«خريش»، و«فتاح»، أوضحوا أن هذا الهجوم الإرهابي، يمكن أن يؤدي إلى «تعكير صفو الجهود الدبلوماسية الإقليمية، الساعية إلى وقف تصعيد التوترات».
وإدراكًا لاحتمال تصعيد هذا الحادث لحدة التوترات الإقليمية، كتب كل من «راسموسن»، و«نيسنباوم»، أن الهجوم «أظهر استعداد الحوثيين لضرب قلب بلد يُنظر إليه على أنه المحور الرئيسي لكثير من أنشطة الأعمال الدولية في المنطقة. وفي ديسمبر2021، التقى مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ «طحنون بن زايد آل نهيان»، نظيره الإيراني ضمن جهود موازية للدفع قدمًا بمفاوضات إحياء الاتفاق النووي المنعقدة في فيينا، والتي تواجه الآن أيضًا معضلة رئيسية أخرى، نظرًا للأعمال العدائية الخارجية، التي يمارسها وكلاء إيران الإقليميون، وربما يكون القضاء على هذه الأعمال العدائية ضمن بنود الاتفاق حال إبرامه.
وعلى الرغم من نية إيران ووكلائها، شن تلك الهجمات لزيادة التوترات الإقليمية، فإن بعض المحللين الغربيين شككوا في فائدة مثل هذا التصعيد بالنسبة للحوثيين؛ حيث علق «بول سوليفان»، من «المجلس الأطلسي»، أن «هذا النوع من التصعيد سيكون له تداعيات مؤلمة بالنسبة للحوثيين»، لكون هذا التطور «مقلق للإمارات والمنطقة برمتها»، وسيظهر الوقت التأثير المحتمل لمثل هذه الهجمات. ووفقا لموقع «أكسيوس»، فإن هناك عنصرا آخر مهما، وهو أن وزير الخارجية الإماراتي، طلب الآن من وزير الخارجية الأمريكي، «أنتوني بلينكن»، أن تعيد الولايات المتحدة تصنيف الحوثيين، كمنظمة إرهابية. وعليه، أوضحت وكالة «بلومبرج»، أن هذا التصنيف سبق أن ألغته إدارة بايدن في محاولتها إبعاد واشنطن عن قضية التورط في إشعال فتيل الحرب في اليمن.
وبالنظر إلى وقوع الهجوم في منطقة الخليج، التي تلبي نسبة لا يستهان بها من احتياجات الطاقة العالمية؛ فقد راقب الخبراء الغربيون أيضًا انعكاساته على أسواق الطاقة العالمية. ففي نفس اليوم الذي وقع فيه الهجوم على أبو ظبي، وصل متوسط سعر خام «برنت» -وهو معيار التسعير الدولي للنفط- إلى أعلى مستوى له منذ سبع سنوات، حيث تخطى حاجز الـ87 دولارًا للبرميل. وأوضح «توربيورن سولتفيدت»، من شركة «فيريسك مابلكروفت»، المتخصصة باستشارات المخاطر، أن هذه الأحداث «ستثير قلق المراقبين المعنيين بأسواق النفط»، خاصة أنهم «يراقبون عن كثب مسار المحادثات النووية الجارية بين الولايات المتحدة وإيران وتأثيرها على هذه الأسواق».
علاوة على ذلك، أشار كل من «راسموسن»، و«نيسنباوم»، إلى أن الهجمات وقعت «في يوم اجتمع فيه عدد من المسؤولين التنفيذيين البارزين في صناعة الطاقة من جميع أنحاء العالم في أبو ظبي لحضور مؤتمر سنوي. ومن جانبها، أكدت «ناتاشا توراك»، من قناة «سي إن بي سي»، أن هذا التهديد الأمني الأخير، يضاف إلى عدد لا يحصى من المخاطر والتحديات الأمنية الأخرى، التي تثير قلق محللي الصناعة، بما في ذلك «قلة المعروض في السوق»، و«المخاوف المستمرة، بشأن توغل روسي محتمل لأوكرانيا».
على العموم، يعد الهجوم الإرهابي، الذي شنه الحوثيون على الإمارات، «مؤشرا واضحا» آخر على التحديات الأمنية الهائلة، التي يواجهها الخليج العربي، والمنبثقة من الأعمال العدائية المرتبطة بإيران ووكلائها الإقليميين، خاصة التهديدات المتمثلة في الصواريخ والطائرات المسيرة.
وعلى مستوى أوسع، يمكن إرجاع سبب تصعيد الحوثيين للهجمات المباشرة على أهداف مدنية في دول الخليج الأخرى، كارتباط مباشر بالحرب اليمنية الراهنة وانعكاساتها، حيث تعرضوا في الأسابيع الأخيرة لضغوط كثيرة، وتكبدوا خسائر فادحة، واستعاد تحالف دعم الشرعية في اليمن، أراضي في المحافظات الجنوبية والوسطى من البلاد. وبالتالي، فإن استخدامهم، وسائل هجومية منخفضة التقنية نسبيًا، مثل الطائرات المسيرة المزودة بالمتفجرات، يوفر وسيلة مدمرة، لكنها بسيطة بشكل مثير للقلق، ترمي لإلحاق أضرار جسيمة بخصومهم الخليجيين.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.