America’s Withdrawal from the Middle East Does Not Mean a Lack of Opportunity

<--

انسحاب أميركا من الشرق الأوسط لا يعني غياب الفرص

على المسرح السياسي في الشرق الأوسط تتداول وبشكل متسارع الفكرة الأميركية بأن أميركا في طريقها للانسحاب من الشرق الأوسط، وتركت هذه الفكرة مفاهيم متداخلة حول حقيقة التخلي الأميركي، ففي الشرق الأوسط وتحديداً دول الخليج يطرح على الساحة تفسير حاد لهذه الفكرة، يعني أن الانسحاب الأميركي سيخلق فراغا في الخريطة الاستراتيجية للمنطقة، كما يعني طرح أسئلة دقيقة على الإدارة الأميركية وما ينبغى عليها فعله تجاه المنطقة، ولكي تكون الصورة أكثر وضوحا فإن فكرة الانسحاب لا يمكن تحميلها ذلك المعنى الحاد من حيث التنفيذ، فأميركا تفرض عليها استراتيجيتها وأمنها القومي شكلا دقيقا من الالتزام تجاه منطقة حيوية كالشرق الأوسط ولكن الاختلاف يبدو في التطبيق وشكله.

التحول الأميركي نحو المحيط الهادي سيكون مكلفا بالتأكيد على عدة محاور في حال كان ثمنه فقدان أميركا للفرص الاستراتيجية في الشرق الأوسط، والمعروف أن أميركا ومنذ أربعة عقود وهي تفكر في الكيفية التي ستزاحم فيها التفوق الصيني وخاصة التجاري، حيث تحاول أميركا حاليا الانفكاك عن الصين تجاريا بالدرجة الأولى، لكي تتبنى ببساطة معادلات التفوق الاستراتيجي بعيدا عن تأثيرات الصين على الاقتصاد الأميركي التي تصل في درجات إلى تهديدات تطال الأمن القومي الأميركي، ويبدو أن هذه الفكرة تحظى بالكثير من التأييد سياسيا في الداخل الأميركي كما تؤكد ذلك الكثير من الدرسات، في الشرق الأوسط ينشأ سؤال مهم حول منافسة أميركا والصين على المنطقة وهل الصين بديل استراتيجي محتمل للمنطقة، وهل تفكر أميركا بتبني استراتيجية تضعها بشكل أبعد عن المنطقة من حيث التكاليف العسكرية وأقرب إليها من حيث السيطرة الاستراتيجية؟

الفكرة الأميركية حول انسحابها من الشرق الأوسط تقع في مساحة ضيقة محصورة بين قضيتين (الالتزام مقابل الانسحاب) بما يعني – البقاء في المنطقة مع الرحيل – أي بناء تقديرات استراتيجية تحدد فقط القضايا التي تتطلب التدخل الأميركي في أحداث المنطقة، السؤال الآخر هل يمكن التوصل إلى مثل هذه النظرية على الواقع في ظل أزمات المنطقة الكبرى القائمة حيث إيران وتمددها المليشياتي، والإرهاب والقلق من عودته، والصراع العربي – الإسرائيلي، صحيح أنه يبدو من الصعب أن تنفذ أميركا الانسحاب من الشرق الأوسط بشكله الحاد، إلا أن القلق الأكبر بالنسبة لأميركا ليس الكيفية فقط ولكن القضية مرتبطة بأن هذا الانسحاب سيخلق فرصا معاكسة للاستراتيجيات الأميركية في المنطقة، ومهما كانت الفروقات بعيدة بالنسبة لميزان القوة بين أميركا ومنافسيها في الوقت الحالي إلا أن الطرح الأميركي يشكل فرصة كبرى لخيارات مناسبة لدول المنطقة سواء الغنية منها أو غيرها.

من المهم الإشارة إلى أن فكرة – الالتزام مقابل الانسحاب – تتطلب تفكيكا دقيقا حول كيفية تعامل أميركا مع معاهدات الحماية التي توقعها مع حلفائها، وهنا يأتي السؤال الأهم أيضا: هل لدى أميركا القوة في الالتزام لدول في الشرق الأوسط كما هو التزامها مع دول حلف الناتو أو اليابان أو إسرائيل؟ هذه الأفكار هي جوهر المداولات الفكرية والسياسية في منطقة مهمة عالميا ولا تحتمل مكانتها أي سلوك لا يمكن التنبؤ بنتائجه، وخاصة أن التفسيرات المرتبطة بكيفية التدخل الأميركي في أزمات المنطقة وشكله ستكون عرضة للبحث والمناقشة والتفسيرات.

التدخل الأميركي في المنطقة عسكريا والذي بلغ ذروته منذ تسعينيات القرن الماضي وتضاعف بشكل تدريجي فيما بعد أحداث سبتمبر هو اليوم يواجه فكرة الانحسار مع تبني آخر ثلاثة رؤساء لأميركا الفكرة بشكل كبير وبدعم مشترك من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومن الواضح أنه لا يمكن التراجع عن هذه الفكرة بغض النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض جمهورية أو ديمقراطية، ولكن التحدي هو في الكيفية التي ستضمن بها أميركا بأن تكون – أقل تواجدا وأكثر تأثيرا – في منطقة تتميز بحساسيتها العالية من الناحية السياسية والشعبية والاقتصادية في مقابل تنامي الفرص أمام القوى المنافسة لأميركا للتقدم بخطوات أكبر إلى المنطقة.

لقد أثبتت التجربة الأميركية في الشرق الأوسط عدم قدرتها تاريخياً على تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة ويظهر ذلك بوضوح في حروب وتدخلات إيران في المنطقة، وكذلك التباطؤ المقلق في تحقيق نتائج حاسمة في قضية نووي إيران، وتعتبر هذه المؤشرات دلائل مهمة لدول الشرق الأوسط والدول الخليجية بأن أميركا بحزبيها الجمهوري والديمقراطي لن تتراجع عن استراتيجيتها نحو الانسحاب مما يعنى الالتفات إلى بوابة الفرص السياسية القائمة سواء في تسويات داخل المنطقة أو تحالفات خارجها لتحقيق الإنجازات السياسية وتحقيق الأمن الاستراتيجي للمنطقة.

About this publication