Putin Burns Down Ukraine, So the Rejectionists Attack American Imperialism

<--

بوتين يحرق أوكرانيا فتصدّى الممانعون للإمبريالية الأميركية

فيما يجتاح جيش بوتين أوكرانيا، زارعاً فيها أشكالاً من الخراب والموت.. وغرضه إعادتها إلى مداره السابق، فيهجِّر (حتى الآن) مليون ونصف مليون أوكراني، وتُنصب خيم اللجوء، وتُنظَّم المساعدات، وتسْتنفر أوروبا كلها، كأنها تستفيق بعد قيلولةٍ طويلة، وتكتشف انها أرْخت الحبْل لبوتين أكثر من اللازم، فيخرب العالم كله، وترتفع أسعار النفط والخبز وضروريات الحياة على البشرية بأسرها، ويضرب بوتين على وتَر الحرب النووية.. وفي الوقت الذي يتصدّى الأوكرانيون لبوتين، بشيبهم وشبابهم، بجيشهم الحكومي والشعبي.. وسط أنظار العالم المذهولة باكتشاف هوية وطنية أوكرانية واحدة قوية، متسامية على الاختلافات بين كاثوليكييها وأرثوذكسييها ويهودييها، بين شرقها وغربها، بين ريفها ومدنها، بين الناطقين منهم بالروسية أو الأوكرانية.. في هذه اللحظة بالذات، بماذا تنطلق الأقلام التي وضعت نفسها من زمان في خدمة محور الممانعة، منذ أن “انتصر” على شعوب المنطقة؟ ما هو موضوعها المحوري؟ إنه “أميركا”..! أميركا التي يكرهونها، ومنذ المهد.

حسن نصر الله أعطاهم إشارة الانطلاق.. أو أنهم لم يكونوا بحاجة إليها، من شدّة أوتوماتيكية ردود أفعالهم. قال عن اجتياح بوتين أوكرانيا: “هذا درس وعبرة للجميع لمن يثق ويعوّل ويراهن على أميركا، والمأساة القائمة الآن تتحمل مسؤوليتها الإدارة الأميركية”.. غامزا كالعادة في قناة خصومه وحلفائه، في السلطة كما خارجها. ومسقطا لازمة خطاباته على الحدث: اجتياح بوتين أوكرانيا من مسؤولية الأميركيين. ليس بمعنى أنهم تمادوا في مدّ الحبل لبوتين، إنما بمعنى أنهم متربّعون على عرش الشرّ، في مطلق الأحوال. وتدعمه بذلك المعلومات الموثقة أن “الناتو”، أحد شياطين أميركا، كان أصلاً “يخطّط لشن حربٍ عالميةٍ ثالثة ضد روسيا”.

فتتدفّق أقلام الممانعة.. تتبنى التسمية الرسمية للعدوان الروسي، أنه “عملية عسكرية” صرْفة، وأحياناً “محدودة”. ومن دون أي إحساسٍ بتكرار المفارقة إياها: الأوكرانيون يُقتلون، والأوروبيون مرعوبون.. فـ”ينتبه” أصحابنا، مرّة جديدة، إلى أن أميركا “الوحش الكاسر”، “الوحش الأبيض”، مهيمنة على العالم، و”آخذة بالتوسّع في العالم العربي”. أن مجزرة الشيشان حصلت في عهد يلتسين، “دمية الإمبراطوريّة الأميركيّة”، وبوتين بريء منها، وأن أميركا غزت العراق وأفغانستان. وأن “دوائر الاستخبارات الغربيّة حضّرت لهذه الحرب”، وأن “التوتاليتاريّة الأخطر هي التوتاليتاريّة الأميركيّة”… إلخ.

ثم المادة الدسِمة: التمييز العنصري، أن الغرب يتجه نحو مزيد من أشكال سنّ التمييز والقمع العنصري، وأن أميركا والغرب يعيشان اليوم “لحظة عنصريّة مفصليّة”. ويدقّق أحدهم أكثر في الوجوه، فيحسم الطبيعة الغريزية – العرقية للتعبئة العامة الغربية للتضامن مع أوكرانيا. وصامويل هنتنغتون الذي “كشف” عن صراع الحضارات، والشرق والغرب .. فلا بأس من بعض الكتب أيضاً!

في الذي يعلنه نصر الله وأذرعته الإعلامية شيء كثير من الصحة. أن أميركا شريرة.. وفي وسعنا وضع لائحة طويلة عريضة عن المآسي التي تسبّبت بها ومعها الغرب ومعهما الصهيونية، وما زالا.. احتكار أميركا الشرّ كله أخذ مجدَه في الحرب الباردة، عندما كانت أميركا هي الإمبريالية الصاعدة، وروسيا هي “صديقة الشعوب” (والأرجح أن هذه “الصداقة” كانت “عداقة”، وخبيثة).. والحال الآن أن الشرّ الأميركي لم يعُد منفرداً بهذا العالم، صارَ أضعف مما كان. عكس الكلام الذي تصدر أميركا في نهاية هذه الباردة، يوم انهيار الاتحاد السوفييتي، أن الأميركيين سيكونون وحدهم “عظماء” العالم. هذا الضعف تركَ فراغاً، ملأه أشرار آخرون، أقوياء، مثل الصين، أقل قوة مثل روسيا، وأقل “عالمية” من الإثنتَين، مثل إيران النووية.

أما العنصرية الغربية، المُدانة مثل بقية العنصريات، فالأحرى بعقول الممانعة أن تنظر إلى نفسها، إلى “مسؤوليها”، إلى مجتمعاتها، إلى بيئاتها، والبيئات المعادية لها.. إلى عنصريتهم كلهم. ولائحتها، مع خباياها، تطول: ضد اللاجئين السوريين وقبلهم الفلسطينيين، ضد أهل البادية، ضد أبناء الطوائف الأخرى، أو أبناء القرية أو المنطقة الأخرى، ضد الأقليات العرقية (الأكراد “يسْتكْرِد”، أي “يحتقر”).. ثم ضد النساء الأوكرانيات، ضد عاملات المنازل الأفريقيات والآسيويات، ضد أصحاب البشرة السمراء (نسميهم “عبيداً”).. والأهم من ذلك كله أن الإعلام الغربي هو الذي كشفَ التصرّفات العنصرية الأوروبية على الحدود الأوكرانية، هو الذي وثّقها، ومعظمه اعتذر منها.. كما لا يمكن ان يفعل جهابذتنا حين يتعلق الأمر بعنصريتهم، أو عنصرية قادتهم أو حلفائهم “الإستراتيجيين”.

ردود الفعل الأتوماتيكية على كل ما له دخل بأميركا، تلك الكراهية الغريزية الصادرة عن أهل الممانعة، تعطيكَ فكرة عن الملامح “الذهنية” لأصحابها. واضحٌ من تكرارها على مدى الدهر أن أصحابها أصيبوا بخمول عقلي، بكسل في التفكير. شللٌ من نوع خاص. أزيزٌ متواصل في الأذن يملي القول نفسه “أميركا.. أميركا.. تبا لكِ..!”. وهذه طريقة تبسيطية في رسم معالم الحياة، كل حياة، سياسية عامة كانت، أم شخصية خاصة.. عندها لونَان، لا ثالث لهما: أبيض وأسود. الأسود كله لأميركا، والأبيض كله لأعدائها. طريقة كاريكاتورية. ومعها تلك الرسْمة الأبدية لـ”العمْ سام”، بنصف لحيته المتدلية وعيونه الوقِحة المبتذلة، وقبّعته المرتفعة، وعبْسته، وإصبعه المرفوع عليكَ وخلفه علَم أميركا. هذا الذهن عندما يحول الاجتياح الروسي لأوكرانيا إلى مناسبةٍ لصبّ غضبه القديم على أميركا.. يكون في حالة من يكيل بمكْيالين: في فلسطين مع مبدأ حق الشعوب، أما في أوكرانيا فلا حقّ للشعوب.

الآن، إشارة صغيرة تفهمكَ شيئاً مما يعتري هذا الذهن: حبّه الشديد القوة، مظاهر القوة، “انتصارات” القوة، منطق القوة.. الزهو الذي يتكلمون به عن دقّة صواريخهم، بنفخة صدورهم المعتزَّة، بلسانها الذي ينذر، ويعاقب، ويحذّر، ويهدّد.. أنظر كيف يتكلمون عن “قوة” روسيا.. سلاحها، جيشها، صواريخها، غواصاتها.. مرشّحة للتطويب.. سنيكية لا علاقة لها بـ”المبدأ” الذي يقوم عليه هذا الذهن.

الإعتزاز بالثبات على الفكرة صفة أخرى من صفات هذا العقل. يفهمك شيئاً من تعطيله. وهذه خاصية وجدانية يرعاها الشِعر والسجع والعواطف الجيّاشة، مثل تعويذة، معادة، واعدة متوعِّدة. تخدّر ملَكَة التفكير باسم قيمة أخلاقية عليا عنوانها “الوفاء” (“الوفاء للمقاومة” اسم كتلة “حزب الله” البرلمانية). وتعني بداهة أن الثبات على الرأي القديم هو وفاء، وتغيير الرأي، أو تعديله هو خيانة..

حسناً. اسمع يا رضا. بسبب وفائك للمقاومة، لا تستطيع أن ترى، وإن رأيتَ سكتتَ، أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا ضرب العلاقة بين أميركا وإسرائيل، التي يفرض عليك وفاؤك أن تصفها بـ”العضوية”. وأيضاً، وفاؤك نفسه لفكرة أن روسيا “صديقة الشعوب”، ومهما صار ..

كيف؟ بأن تكون هجمات إسرائيل على الداخل السوري قائمةً على “رعاية” روسية، أو اتفاق ضمني روسي – إسرائيلي. أن تُحرَج إسرائيل من اجتياح أوكرانيا، حماية لهذا الاتفاق من غضب روسي، فلا تستنكر الاجتياح الروسي لأوكرانيا، بما يكفي، بنظر أميركا. وفي محادثات النووي بين إيران وأميركا، بأن تطلب روسيا عدم توقيعه إلا بشرط إعفاء إيران من العقوبات في حال تعاملت معها روسيا بعد تعرّضها لعقوباتٍ أميركيةٍ إثر اجتياحها أوكرانيا. أن يرفض الأميركيون هذا الشرط. ثم أن يفسح اجتياح روسيا لأوكرانيا مجالاً لإيران ومليشياتها، وأنتَ واحد منها، لمزيد من الصولات والجولات في البرّ السوري.

.. فماذا تختار؟ أن تبقى على وصفك “العضوي” العلاقة بين أميركا وإسرائيل، وعلى وصفكَ الروس بـ”الأصدقاء؟ فترمي كل الحق، أيضاً وأيضاً، على أميركا؟

About this publication