هوليود والحرب ضدّ الشيطان – صراع الأضداد علي الشاشة
بغداد يوسف يوسف
من المعروف أنّ الأديان في مجموعها، تتحدث عن صراع بين عنصري الخير والشر. وللشيطان فيها حيّز واسع، من حيث هو شرّ مطلق، وله مفهوم في ضوء ذلك. بيد أنه ما من أحد منا يمكنه الزعم، أنه بمقدوره قتل الشيطان برشقات الرصاص، ذلك لأنّ الصراع معه حتي في العقيدة المسيحية نفسها، معنوي وليس أكثر من ذلك. لكن التوراة وحدها تنفرد بالمقاربة بين الشيطان ومن تسميهم الأغيار من غير اليهود، وهي المقاربة نفسها التي أخذتها منها السينما في هوليود عاصمة السينما الأمريكية.
فالممثّل الهوليودي أرنولد شفارتسينغر يمكنه قتل الشيطان برشقات الرصاص. هذا ما صرّح به في مقابلة أجريت معه في أعقاب عرض فلمه (نهاية أيام)، إذ يقول ما نصّه: كان عليّ أن أصفّي الشيطان برشقات رصاص إلي أن يرحل عائدا في الطريق نحو جهنّم. إننا كما نلاحظ أمام تعبير له طابع لاهوتي، وفيه يضيف أرنولد: إنه-الفلم-اقتباس من الإنجيل ، فالشيطان يأتي إلي الأرض، ولأجل أن يحكم السماء والأرض يقوم باغتصاب سيّدة صغيرة في الساعات الأخيرة من القرن المنصرم، لكي تحمل منه، ومن خلال ذلك ليتمكن من هدفه في حكم الأرض والسماء.
وعلي الرغم من أنّ دعوي الاقتباس المزعوم لا تهمنا، إذ ليس في الإنجيل شيء مما يذهب إليه أرنولد، والصحيح أنّ ما يشبه هذا التصور موجود في التوراة، إلا أنّ حكاية أبناء الشيطان تكرّرت في العديد من الأفلام وكذلك الروايات، ولقد كان للكتّاب اليهود دور بارز في إشاعة مثل هذا التصوّر، ومن أمثلة ذلك رواية( طفل روز ماري) للكاتب اليهودي (ايرا ليفين) التي تحولت إلي فلم أخرجه اليهودي (رومان بولانسكي)، صاحب أشهر القضايا في اغتصاب الفتيات الصغيرات. فالشيطان في الفلم يعاشر زوجة البطل، حتي تنجب منه طفلا يعلن مع ولادته قيام ما يسميه عصر المسيحية المضادة. سيلاحظ القارئ التشابه الحاد بين الفكرتين، ولكن من المهم أن يدرك أنه أمام أحد المداخل الهامة التي تعمل اليهودية من خلالها لاختراق الوجدان المسيحي، بإغراقه في مفاهيم لا أساس لها في الديانة المسيحية. ولأنّ الشيطان هنا لا يمكن أن يكون هو نفسه الذي تتحدث عنه هذه الديانة، فإنه حيثما يرد في أيّ من الأفلام الأمريكية، لايمكن إلا أن يكون رمزا لأولئك الذين تسميهم التوراة بالأغيار أو الأمميين، وبضمنهم أصحاب الديانة المسيحية أنفسهم، الذين يتظاهر أرنولد بأنه يدافع عنهم، وهذا شكل من أشكال الاختراق. هكذا نري كيف يخترق المتخيل السينمائي اللاهوت المسيحي، ليتمثل ما في التوراة، أولا من خلال القول بوجود رسالة إلهية يسعي أرنولد لإيصالها، وثانيا من خلال الاعتقاد بأنّ كل إنسان خارج فردوس الشعب المختار هو مخلوق شيطاني تجب محاربته، وهو المخلوق الذي يقتله أرنولد برشقات الرصاص، ضمن ما تعرف بالحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام، التي بدأت فكرتها تحرك السينمائيين في هوليود وتستحوذ علي تفكيرهم، وبالطريقة نفسها التي نراها عند أرنولد.وإذا كان الناقد- أي ناقد، لا يرضي بتجزيء نظرته إلي أي سينما، فإنّ الأفلام التي تحمل مثل هذا الفكر،تكمل الدائرة التي تحرص السينما الأمريكية علي وضع المتفرج في داخلها، بحيث لا يستطيع الخروج منها، لتصبح بذلك أحدي أذرع الأخطبوط الذي يحاول الإمساك بالضحية . وهذه كلها مما يرتبط ارتباطا وثيقا بما تعرف عقيدة القدر المتجلي، التي وضعت أرنولد وكل من هم علي مثاله، في مهمة إلهية مزعومة ،تعتبر محاربة الشيطان جزءا مهما منها.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.