هناك نغمة ترتفع الآن بيننا، مفادها أن ثورة 25 يناير لم تكن سوى مؤامرة أمريكية للإطاحة بالرئيس الأسبق حسنى مبارك. هذا القول يتردد صريحاً ومباشراً حيناً ومضمراً أحياناً أخرى، ويستند أصحاب هذا الرأى إلى أن تمويلاً أمريكياً تم لبعض منظمات المجتمع المدنى ولبعض النشطاء المحسوبين على ثورة يناير، وبغض النظر عن التفاصيل وتعميم الاتهام فإن التمويل الأمريكى للبعض ثابت ومؤكد، وهو سابق على أحداث الثورة بسنوات، ولكن هذه الحقيقة لا تعنى أن 25 يناير كانت مؤامرة أو لنقل صناعة أمريكية.
مثل هذا الكلام سبق أن قيل عن ثورة 23 يوليو 1952، واجتهد البعض فى الإلحاح على هذا المعنى، كان بعض الماركسيين يرددون ذلك فى البداية، ولكن ما لبثوا أن عدلوا عن هذا الرأى، الذى تولاه نفر من الإسلاميين، ويبدو أن هناك من يصر على تجريد المصريين من أى إنجاز يقومون به ونسبته إلى آخرين، حتى حرب أكتوبر 1973 وعملية العبور العظيم، هناك من اعتبرها «لعبة» بين السادات والأمريكان. وأتصور أن من يصرون على نسبة كل فعل وإنجاز إلى الولايات المتحدة ونظرية المؤامرة، عليهم أن يراجعوا أنفسهم تماماً. ومن خلال رصد عدة أحداث يمكن القول إن الولايات المتحدة يصعب عليها أن تصنع ثورة، و
ذلك أن السياسة وكذلك الثقافة الأمريكية لا تميلان إلى الثورات ولا ترتاحان إليها، وفكرة أن الولايات المتحدة أشبه بقضاء الله وقدره، حاضرة فى كل مكان وكل زمان، خاصة فى بلادنا- وهم من الأوهام، ولكن الولايات المتحدة بعد قيام الحدث، تحاول أن تتدخل فيه لتقوم بتوجيهه فيما يخدم مصالحها أو لا يضر بها، وهى بأساليب الدعاية وضعف الآخرين، أو أوهامهم تجاهها، تحاول اعتلاء الحدث وركوبه، فيبدو وكأنه من صناعتها. ما حدث فى يناير 2011 كان فعلاً مصرياً صحيحاً، لم تخطط له الولايات المتحدة ولا توقعته مخابراتها المركزية، كما أن المخابرات المصرية ذاتها لم تتوقعه، ولم تتنبأ به. ثورة يناير قامت لأسباب مصرية بحتة، فى مقدمتها قضية التوريث واجتياح جمال مبارك مؤسسات الحكم، وغير التوريث هناك تفاقم الأزمة الاجتماعية والبطالة وارتفاع معدلات الفقر، ولكن عجل بالثورة تزوير انتخابات 2010، ثم ما جرى فى تونس، وهناك مسألة نفسية لدى المصريين جميعاً، تتمثل فى شعورهم بالريادة فى المنطقة، ومن ثم لا يفضلون أن يسبقهم أحد، ولذا ما إن سبقهم التونسيون فى ديسمبر 2010 بالثورة على الرئيس زين العابدين، حتى تحركت الهمة المصرية وثارت جينات الريادة، خاصة أن الوضع هنا لم يكن أفضل منه فى تونس،
وانطلقت الشرارة يوم 25 يناير، وفى الأيام الأولى وقفت الإدارة الأمريكية إلى جوار الرئيس مبارك، لكن حين تكشف إصرار المصريين على مواصلة التظاهر وانهيار الشرطة ومساندة الجيش الكاملة للشعب، انتقل الموقف الأمريكى لمحاولة توجيه الأحداث والحد من اندفاعها. مشكلة ثورة 25 يناير أنها بعد اقترابها من النجاح الكامل، إثر موقعة الجمل، حاول بعض الأدعياء ركوبها وتوجيهها كلُّ لصالحه، فعل ذلك الإخوان وفعله بعض النشطاء وبعض الممولين أمريكياً وأوروبيا، وحاول كل منهم أن يقدم نفسه باعتباره صانع الثورة، وصدّق كثيرون ذلك، وما إن ينكشف أمر بعضهم سواء فى مسألة التمويل الأمريكى أو فى ارتكاب حماقات وأخطاء صغيرة أو كبيرة، مثل تعذيب بعض المواطنين فى ميدان التحرير يتصور من أضيروا أن هؤلاء هم الثورة وأنها كانت مؤامرة أمريكية.
كلّ يحاسَب وفق أفعاله، ويؤاخذ بمقدار ما ارتكب من أخطاء أو جرائم، أما الثورة فهى فعل إنسانى وشعبى كامل، ولنكف عن أن نسلب أنفسنا القدرة على الإنجاز، ونسبته إلى الولايات المتحدة. أمريكا لا تصنع الحدث، هى فقط تحاول القفز عليه وتوجيهه، وهذا ما حدث فى ثورة 25 يناير، ومن هنا كان ضرورياً استرداد الثورة فى 30 يونيو.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.