الافتتاحية
العراق وبداية الخروج من النفق
كل القوى الاقليمية المتضررة, والتي احالت العراق مرتعا لارهابييها, لم تفلح في تعطيل العملية السياسية, ولم تنجح في وقف نمو المكونات اللازمة للدولة العراقية الديمقراطية الحديثة.
ورغم حقول الموت التي انتشرت في كل الارجاء, استطاع الشعب العراقي ان يمضي في ممارسة خياراته الديمقراطية, الى ان توصل الى اقرار الوضع النهائي, بعد ان تجاوز مراحل الانتقال بكل صعوبة, لكن بكل شجاعة واصرار على الحياة.
القوى الاقليمية المتضررة من نجاح التجربة الديمقراطية في العراق تراجعت في حربها المروعة الى حد ما, واصبحت عاجزة عن الوصول الى اهدافها بعد ان انتهت العملية السياسية الى اقرار الوضع الدائم, ومنح العراق رئيسا دائما للجمهورية, وبرلمانا دائما, وحكومة دائمة ستتولى تصفية الميليشيات وجعل السلاح حكرا على قوى الدولة المسلحة من دون سواها… وما حصل طوال السنوات الماضية, خلاف انتصار العملية السياسية, ان الفخار الفاسد هو الذي كسر بعضه بعضا, وان الاميركيين اثبتو انهم غير غارقين في مستنقع,كما تروج القوى الاقليمية المتضررة, وان برنامجهم في العراق وفي افغانستان لم يكن الا جزءا من خطة ستراتيجية ترمي الى اعادة تكوين منطقة الشرق الاوسط الكبير على قواعد الديمقراطية, والحرية, واحترام حقوق الانسان.
وكلنا يذكر ان هذه الستراتيجية الاميركية لا تنضوي تحت نوايا الاستعمار المعاصر, كما يقال, بل تعتبر جزءا من الدفاع عن الامن الوطني الاميركي, والذي لا يمكن الاطمئنان اليه في وجود شرق اوسط كبير غير ديمقراطي, تحكمه انظمة شمولية وديكتاتورية لا يمكن الركون اليها في المعاهدات والتعاقدات, وستراتيجية بهذا العنوان الكبير لا يمكن ان توصل الولايات المتحدة الى الوقوع في المستنقعات لانها اساسا لا تتساوى في القوة مع احد في المنطقة.
وعندما دخلت اميركا الى افغانستان, واسقطت نظامها الحجري, وشردت بن لادن, الذي خرج علينا صوته امس من مكان ما, في دولة ما, وبواسطة المستفيدين منه, لكي يشيع منطق هذه الدولة المتحجر ايضا والغيبي والهلامي, لم تكن تحسب اي حساب لطرف افغاني طالباني يتساوى معها في القوة, وبالتالي لم تكن تفكر بأنها ستسقط في مستنقع, او ان ثمة مستنقعات ستكون جاهزة لاستقبالها واغراق قواتها.
افغانستان لم تكن مستنقعا للاميركيين, وكذلك العراق, وهذا ما يجب ان تفهمه الدول الاقليمية المتضررة, وعلى رأسها ايران التي عليها ان تقتنع جيدا بهذه الحقيقة.. اميركا دخلت افغانستان والعراق ردا على اعتداءات 11 سبتمبر التي تسبب بها بن لادن, وردا على عربدات صدام حسين, من يوم ان احتل الكويت, الى ان اوحى بامتلاكه لاسلحة دمار شامل محظورة من باب التلويح بقوة لم تكن في الاصل متوافرة له, واعطى انطباعا بأنها موجودة عنده.
على ايران الآن ان تحترم ارادة الشعب العراقي, وان تحترم خيارات هذا الشعب بإقامة دولة ديمقراطية حرة وحديثة, وان تتوقف عن اعطاء الاميركيين فرصة للتدخل, والابتعاد عن التحرش بأمنهم الوطني, واستفزازهم في الشرق الاوسط عن طريق اقحام نفسها في قضايا عربية لا شأن لها بها.
احداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن شكلت عدوانا مباشرا على الامن الوطني الاميركي, وتبعتها تفجيرات في كل اوروبا جاءت من المنبع نفسه وشكلت ايضا عدوانا على الامن الوطني لكل دولة اوروبية, الامر الذي جعل العالم يقف ضد ارهاب ذي وجه واحد وهوية واحدة, ويأتيه من مكان واحد, فلا لزوم لايران ان توقظ هذه المخاوف الدولية ثانية باصرارها على الالعاب الاقليمية الخطرة في العراق ولبنان وفلسطين, وتحت مسميات كثيرة ومنها مقاومة اسرائيل والاحتلال الاميركي.
الآن اميركا لديها مخاوف على امنها الوطني الداخلي, وكذلك الدول الاوروبية, اما خوفها على اسرائيل فيأتي في المرتبة الثانية, ومحتميا باتفاقات امنية ستراتيجية… هذه المخاوف الاميركية هي التي تضع ايران في مرمى التدخلات والضربات العسكرية, خصوصا بعد ان اصبحت هذه المخاوف تشمل الامن الاوروبي والاسيوي والخشية عليه من اعتداءات ارهاب حضنته هذه المنطقة من ايران الى الكويت الى المملكة العربية السعودية.
فإلى جانب الاطمئنان على العراق, فإن انتصار العملية السياسية فيه تبعث ايضا على اشاعة الاستقرار في منطقتي الخليج والشرق الاوسط, وعلى تبديد المخاوف من توسع الاعمال الارهابية, وتراجع ايران وغيرها عن لعب ادوار اقليمية غير مأمونة العواقب ولا تدلل على بلوغ سن الرشد السياسي بأي شكل من الاشكال
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.