فجيعة الفجيعة العراقية
المصدر: الزوراء
19 / 10 / 06
محمدعبدالرحمن
إن كان هناك من حاجة لتـلخيص معنى (الفجيعة ) … فثمة العراق.
في كل شيء يمكن لعراق اللحظة الراهنة أن يشكل أساسا أكاديميا مثاليا لدراسة (الفجيعة) مبنى ومعنى ، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وايديولوجيا وسيكولوجيا الى آخر الحقول والميادين الفواجعية المدرجة على جدول أعمال العقل البشري .
أكاد أعتقد أن (الإنسانية) ستخرج بعد (فجيعة) العراق بمعرفة أخرى، وبإعادة مراجعة وتقويم لجملة مفاهيم راسخة زعزعتها زلازل الخرق اليومي في عراق ما بعد الغزو.
لقد أطاح الخرق (الخارق) للمألوف في الحالة العراقية الراهنة بهيبة أكبر ( أنبياء) السياسة وجندل أعظم فرسان التأويل من علياء نظرياتهم وتصوراتهم ، وأحالها مزقاً ممزقة مؤلفات الثلاث سنوات ونيف من عمر الأسـتذة التحليلية لخراب العراق . وكما لو أنه لهاث وراء السراب ، فقد ضلّ الجميع طريقهم وهم يبحثون عن (الحقيقة) في صحراء العراق ، وبدلا من لمس طرف (الحقيقة) فقد راحوا بعد أن تسربلوا باليأس يتوسلون جرعة ماء في هذا القيض المأساوي فانتهوا الى مجرد هائمين في خيالاتهم وهذياناتهم وتمنياتهم العبثية .
وحده إبليس (لأنه إبليس) يعرف مداخل ومخارج المتاهة العراقية ، وما دونه فإن الجمع البشري من تلامذته قد تاهوا في عتمة الدهاليز المتداخلة ، وصار أمراً مألوفا أن يتكاتف ويتحالف (الأضداد) في لحظة مّــا داخل دهليز مـّا أملا ً بالوصول الى مخرج مـّا ، حتى إذا ما شارفوا على مفترق مّـا عـادوا يفترقون وكلّ واحد منهم يحسب أنه قد فاز بالطريق الى الشمس ، فاذا بالجميع ينتهون من حيث انطلقوا في رهانات الخيبة الدهليزية اللامتناهية .
وبالطبع ، فإن هذه الفوضى التنافسية القائمة في مضامير الغياهب الدهليزية إنما تجري على جثث المواطنين العراقيين ، وحتى هذا الجزء (الحيّ ) من واقعية (الموت) فقد اختلف حوله المختلفون ليس على أساس (قيمة ) الإنسان العراقي وإنما على أصفار ( الرقم ) العراقي من المغدورين ……، وعلى طول القبر الجماعي المفتوح،الشـّره ،الممتد بين شاهدتين مجهولتين ، وقف الحفارون في حيرة من أمرهم بانتظار (العدد ) الرسمي النهائي للمغدورين العراقيين من أجل دفنهم قبل الإنتقال الى افتتاح مقبرة جماعية أخرى تحت إلحاح المشارح الفائضة بركام جثث القتلى، وحتى هذه اللحظة ماتزال (الأرقام) تتضارب فيما بينها تاركة (للأصفار) حرية التنقل في أوسع هامش غرائبي يمتد من الثلاثين ألف قتيل الى الستمئة وخمسين ألف قتيل عراقي (!!) سحقتهم الى الآن حادلة (المؤامرة) القاصرة التي صارت بحاجة الى مؤامرة جديدة لعلها ترشدها الى شاطيء النجاح !!.
هذه هي الفجيعة الإنسانية الجامعة في الفجيعة العراقية المانعة … ، إنها أمثولة العجـزالبشري عن بلوغ الكمال الإبليسي ..، فبينما (ينبغي) على كل فجيعة أن تكتمل ، تأبى الفجيعة العراقية أن تبلغ غايتها بسبب من رداءة وقصورأدواتها ، فالمنتصرون لم ينتصروا وإنْ أنتصروا والمنهزمون لم ينهزموا وإنْ انهزموا ، والمتفرجون شاهدوا كل شيء ولم يشاهدوا أي شيء، .. وحـده الشهيد العراقي بلغ (كماله) الملائكي على الطرف النقيض من الفجيعة الناقصة .
فأينك إبليس ؟؟ أينك .. أينك ؟؟
أينك أستاذ التلامذة المعوقين من بوش وعصابته الى بلير ورهطه …، أينك أستاذ تلامذة الغباء المُعمّمين والمعولمين في عراق المنكوبين.. ، أينك مدير معلمي المدرسة الممتدةعلى طول خطوط الطول وعرض خطوط العرض ..، تعال يا سيد الجريمة الكاملة وانجز مهمتك العراقية من حيث فشل كل هؤلاء .
أيها الوسواس الخناس : لم تعد تجدي نفعاً وسوستك في صدور الناس .. ، فأظهر علينا بلا مواربة ، شرفنا بإطلالتك الماورائية المهولة ، أزح طلا ّبك الساقطين في امتحان الفجيعة العراقية .. وحـلـّها كما تشاء ، فيقينــاً أن حلــّك الشيطاني الصّرف أهـون على العراقيين من رحمة أشباهك الفاشلين.
أستغفر الله لي ولكم .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.