ورطة أميركا
شؤون سياسية
الجمعة 21/3/2008
عبد الحليم سعود
مع اقترابنا من الذكرى الخامسة للغزو الأميركي للعراق ودخول الاحتلال عامه السادس على التوالي لم يعد السؤال المطروح هل فشلت أهداف الغزو أو هل حقق المحتلون مبتغاهم من الغزو,
فهذا الفشل تعبر عنه بشكل يومي استطلاعات الرأي في الداخل الأميركي بالإضافة إلى التخبط الذي تعيش فيه الإدارة التي خططت للغزو وسوقت له الذرائع والمبررات اللاأخلاقية, ها هي تعد نفسها للرحيل بعد أشهر قليلة دون أن تتضح لديها أية آلية للخروج من المستنقع الذي وضعت نفسها فيه, وما من شك أن الإدارة التي ستخلفها في تشرين الثاني القادم ستجد نفسها في وضع لا تحسد عليه ما لم تبادر إلى استراتيجية للخلاص السريع وبأقل الأضرار والكلف المادية والبشرية.
بجردة حساب بسيطة يمكن أن يتضح حجم الإخفاق الذي منيت به إدارة بوش, فالفشل يطاردها على ثلاث مستويات عسكرية وأمنية وسياسية بالإضافة إلى فشل رابع على صعيد إعادة الإعمار, ولكن يمكن أن تفاخر هذه الإدارة بنجاح وحيد تحقق بفضلها وهو تدمير العراق.
عسكرياً, خسر الجيش الأميركي حسب إحصائياته المعلنة (وهذه تخضع لحسابات داخلية دقيقة) ما يزيد عن أربعة آلاف جندي بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمعوقين جسديا ونفسياً وعقلياً, فضلاً عن خسائر في السلاح والعتاد والآليات تقدر بمئات مليارات الدولارات, على الرغم من أن الرئيس الأميركي أعلن عن انتهاء الحرب بعد أقل من شهرين على بدء الغزو.
أمنياً, شهد العراق وضعاً أمنياً معقداً فشلت معه كل استراتيجيات الأمن على مدى خمس سنوات حيث كان من نتائج ذلك مقتل أكثر من مليون عراقي حسب بعض الإحصائيات المحايدة ونزح حوالى أربعة ملايين آخرين, ولا يزال العراق حتى هذه اللحظة يتخبط في مستنقع من الفوضى التي أحدثها الاحتلال, وقد دخل العنف في العراق في بعض المراحل منعطفات خطيرة وانزلق باتجاه حرب أهلية وأنواع غير مألوفة من الصدام الطائفي الذي لا تنفع معه كل محاولات المصالحة والحوار.
أما على الصعيد السياسي فقد فشلت الإدارة الأميركية في فهم الواقع السياسي العراقي بتركيبته المذهبية والطائفية. فكان إن لجأت إلى أسلوب المحاصصة الطائفية ضاربة عرض الحائط بالميراث السياسي العراقي القائم على التنوع, حيث تم نسف مبدأ المواطنة.
أما على صعيد إعادة الإعمار فلا تزال هذه العملية تقف عند مراحلها الأولى وكأن الغزو قد وقع منذ أيام فلا يزال المجتمع العراقي يعاني قصوراً حاداً في بنيته التحتية بما في ذلك الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمأوى والغذاء, الأمر الذي تسبب بحركة لجوء بسبب العنف وغياب الخدمات التي لم تشهدها المنطقة منذ اغتصاب فلسطين عام .1948
محاولات إعادة الإعمار والبناء تعاني من الانقطاع وعدم الاستمرار وهذا ما دفع بالكثير من العراقيين للانخراط في أعمال عنف كرد فعل على الأوضاع المعيشية الرديئة التي أنتجها الاحتلال.
والأنكى من ذلك كله أن الولايات المتحدة لم تتوقف يوماً عن التبجح باستحضار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان إلى العراق, إلا أنها حولته إلى مثال سيىء في هذا المجال بعد أن رأى العالم بأم العين صور انتهاكاتها في سجن أبو غريب وسمع أخبار مجازرها في كل أنحاء العراق وخاصة في مدينتي حديثة والإسحاقي, والفصول الناقصة التي ارتكبتها شركات الأمن ذات السمعة السيئة ولا سيما بلاك ووتر وأخواتها.
وأمام هذا الفشل المتعدد الوجوه والوضع السيىء الذي تعيشه واشنطن في العراق ويعيشه العراق تحت الاحتلال فقد حان الوقت كي تعيد الولايات المتحدة حساباتها في ظل انهيار التأييد الداخلي والخارجي لوجودها غير المبرر في العراق, وفي ضوء الأكلاف المادية والبشرية الهائلة التي يدفعها الشعب الأميركي وكذلك الشعب العراقي, ما يعني أن قرار الانسحاب بات يشكل أولوية مطلقة أمام الإدارة القادمة ولا سيما أن الإدارة الحالية لم تعد مؤهلة لقرار من هذا النوع وليست في وارد التراجع عن حماقاتها المتراكمة, فلم يعد أمامها الوقت الكافي سوى لشيء واحد فقط وهو الرحيل إلى مزابل التاريخ.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.