أمريكا والتحرش الجنسي
الأزمة المالية العالمية الأخيرة أثبتت أن الأفكار والمبادئ والسياسات التي تتبناها الولايات المتحدة محليا, وتسعي لنشرها دوليا ليست بالضرورة هي الأفضل والأجدر بالإتباع في جميع أنحاء العالم, أو علي الأقل في منطقتنا العربية.
لعقود طويلة روجت الولايات المتحدة لنموذج رأسمالي متطرف يري أن آليات السوق وحدها تكفي لضبط الاقتصاد وتعتبر تدخل الدولة بأي شكل كان, عائقا أمام نمو اقتصادات العالم الحر, ثم صحت فجأة علي كارثة مالية جعلت تدخل الدولة برصد مئات المليارات من الدولارات السبيل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار, وكان يمكن تجنب الأزمة الكبري لو أن الإدارة الأمريكية تدخلت في وقت سابق وقامت بمتابعة وتنظيم عمليات الائتمان التي توسعت فيها البنوك الأمريكية دون حساب ودون ضمانات كافية.
ولكن السياسات التي تروج لها الولايات المتحدة عالميا, والتي أصبحت الآن جديرة بالمراجعة مرة أخري لا تتوقف فقط عند النظام الاقتصادي, بل تمتد لتشمل قضايا سياسية وإعلامية ينظر إليها العالم حاليا باعتبارها النموذج الأمثل الواجب إتباعه.
وأخطر هذه القضايا من وجهة نظرنا هي قضية القنوات الفضائية الإباحية والمواقع الإليكترونية المماثلة علي شبكة الإنترنت والتي تنظر إليها الولايات المتحدة والعالم العربي بشكل عام باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حرية الإعلام.
انتشار هذه القنوات والمواقع في المجتمعات الغربية يمكن قبوله في ظل منظومة ثقافية اجتماعية لا تري خطأ في نشوء علاقات خاصة خارج إطار منظومة الزواج, أما تأثير ذلك في المجتمعات المحافظة مثل مجتمعاتنا العربية فخطير ومدمر لأنها تضع الشباب العربي في حالة صراع رهيب بين الموروثات الثقافية والدينية التي ترفض مثل هذه الممارسات وبين حاجة إنسانية طبيعية لا سبيل لتلبيتها إلا بارتكاب الرذائل. ويمكن النظر لانتشار حالات التحرش التي بدأت تظهر في الشارع المصري بشكل لافت باعتبارها نتيجة مباشرة لانتشار مثل هذا النوع من الإعلام الحر الذي خلق مشكلة ولم يقدم لها حلولا منطقية تتفق مع تقاليدنا الدينية.
نحن مطالبون بإعادة النظر في هذا الشق من منظومة الإعلام الحر الذي تروج له الولايات المتحدة قبل أن يأتي يوم تنهار فيه مجتمعاتنا مثلما حدث في الأزمة المالية العالمية, ويومها لن تنفع مئات المليارات لإعادة الأمور إلي نصابها.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.