And What Else, Bush and al-Maliki?

<--

الديمقراطية والحرية المزعومة التى بشر بها بوش العراقيين عندما غزا بلادهم في 2003 ، يتأكد يوم بعد يوم أنها لم تكن سوى أكذوبة كبرى لاغتصاب بلد بأكمله ، ففي فضيحة جديدة لحكومة نوري المالكى بعد مهزلة الاتفاقية الأمنية، حكمت المحكمة الجنائية المركزية على الفتاة السنية “صابرين الجنابي” ، بالسجن المؤبد بزعم دعمها للمقاومة.

جاء في حيثيات الحكم الذي أصدرته المحكمة في 17 ديسمبر أن الجنابي حازت أسلحة غير مرخصة وكانت تدعم المقاومة ، نافيا في الوقت ذاته صحة ما ذكرته حول تعرضها للاغتصاب على أيدي قوات المالكي.

هذا الحكم يعتبر استخفافا بكافة القوانين والأخلاق بل وبمشاعر سنة العراق ، بالنظر لحقيقة بسيطة مفادها أنه لو التزمت الجنابي الصمت تجاه جرائم قوات المالكي لما كانت تعرضت لهذا القرار البشع الذي أصدرته المحكمة التي أقامها الاحتلال الأمريكي وأعوانه في العراق لمحاكمة من يطلقون عليهم “الإرهابيين”.

وقبل استعراض أدلة براءة الجنابي التي تظهر الوجه القبيح للاحتلال وقوات المالكي ، نستعرض قصة تلك المواطنة العراقية الشجاعة التي لم تتوان عن قول الحقيقة رغم ما تحمله من إساءة لها وفقا لتقاليد المجتمع العراقي والعربي.

البداية كانت في 19 فبراير 2007 ، عندما ظهرت الجنابي على شاشات الفضائيات لتعلن صراحة أنها تعرضت للاغتصاب على أيدي عناصر من قوات حفظ النظام العراقية عندما دخل ثلاثة جنود منزلها في حى العامل جنوب غربي بغداد واتهموها بتقديم الطعام للمسلحين السنة واقتادوها إلى إحدى الثكنات العسكرية حيث تناوبوا اغتصابها أكثر من مرة ، وقاموا بتصويرها وتهديدها بالقتل إذا تحدثت عن عملية الاغتصاب، بل إن ضابطا آخر ضربها واغتصبها بعد أن أقامت دعوى قضائية وعرضت على قاضي التحقيق ، ولذا لجأت للفضائيات لضمان عدم التستر على الجريمة.

وبعد يومين من هذا الاعتراف وتحديدا في 21 فبراير ظهرت سيدة أخرى على الفضائيات تدعى واجدة محمد أمين لتعلن هى الأخرى أنها تعرضت للاغتصاب على أيدى ستة من عناصر الجيش والشرطة العراقية تحت تهديد السلاح أثناء دهمهم لمنزلها في تلعفر شمال بغداد ، موضحة أن هؤلاء الجنود حققوا معها لمدة أربع ساعات ، مطالبين إياها بالإدلاء بمعلومات عن أماكن وجود مسلحين وعندما علموا أن زوجها معتقل قاموا باغتصابها وتصوير عملية الاغتصاب بكاميرا موبايل لتهديدها في حالة عدم تعاونها معهم للكشف عن أماكن بعض المسلحين

.

وإثر كشف المستور عبر الفضائيات ، سارع مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى القول إن صابرين الجنابي لم تتعرض للاغتصاب من قبل ضباط في حفظ النظام ، وقال بيان صادر عن مكتب المالكي :” بعد إجراء الفحوصات الطبية تأكد أن صابرين لم تتعرض لأي اعتداء جنسي على الإطلاق ، كما تبين أن المدعوة قد صدرت بحقها ثلاث مذكرات اعتقال من قبل الأجهزة الأمنية”.

ووفقا للبيان ، فقد أمر المالكي بتكريم من أسماهم الضباط الشرفاء بمنحهم مبلغ مليون دينار عراقي وإجازة لمده شهر بسبب ما زعم أنهم ضباط أكفاء حاولت المتهمة تشويه سمعتهم.

وانتهى البيان إلى القول إن الهدف من هذه الضجة المفتعلة التي قامت بها بعض الجهات المعروفة هو التشويش على الخطط الأمنية الجديدة لحكومة المالكي والإساءة إلى القوات المسلحة العراقية.

وسرعان ما انكشف زيف البيان ، حيث أعلن عمر الجبوري مستشار نائب رئيس الجمهورية أن التحقيقات أثبتت أن اسم صابرين الجنابي هو تنكري وليس حقيقي بمعنى أن المذكرات بحق صابرين الجنابي كانت عملية ملفقة لأنها لا تحمل هذا الإسم ، قائلا :” إن اسم السيدة الذي أذيع هو اسم مستعار لحمايتها, وإن لدينا اسمها الحقيقي ” ، وقد زاد الطين بلة على حكومة المالكي أن مستشار نائب رئيس الجمهورية اعترف أيضا بأن المجنى عليها اعتقلت واقتديت إلى مقر الفوج الثاني التابع للواء السابع لقوات حفظ النظام وهو ما يؤكد صدق رواية المجني عليها .

ونفى عمر الجبوري أيضا صدور ثلاث مذكرات باعتقال المجني عليها ، واستطرد يقول:” لدينا تقرير طبي من مستشفى ابن سينا وهو مستشفى أمريكي محايد، يؤيد ما قالته السيدة”.

وفي السياق ذاته ، أعلن اللواء نجم عبد الله الذي يتولى منصب قائم مقام تلعفر ” عمدة المدينة ” أنه تم اعتقال أربعة جنود متهمين باغتصاب واجدة محمد أمين وأنهم اعترفوا بارتكاب الجريمة .

كما كشف النائب العراقى صلاح الدايني أن مسلسل الاغتصاب في عراق ما بعد صدام لم يتوقف عند حالة معينة ، مشيرا إلى أن عدد النساء العراقيات اللائي تعرضن للاغتصاب عام 2006 فقط بلغ (68) حالة وأن هناك أكثر من (1000) امرأة عراقية مجهولة المصير ، وأضاف أن بعض الطالبات في الجامعة المستنصرية تعرضن إلى عملية اغتصاب من قبل أفراد الجيش العراقى وأطلقت عليهن بعدها رصاصة الرحمة حيث تم العثور على جثثهن وتبين من الفحص اغتصابهن ولكن كالعادة لملمت حكومة المنطقة الخضراء أطراف الفضيحة كأن شيئاً لم يكن.

الاعترافات السابقة التي تؤكد صدق رواية الجنابي جعلت المئات يتظاهرون في جامعة تكريت ، مطالبين بالقصاص من مغتصبيها، كما تظاهر العشرات في مدينة العامل مطالبين بعدم التستر على المغتصبين.

ومن جانبها ، أعربت هيئة علماء المسلمين عن دهشتها من السرعة التى تم بها تبرئة الجنود الذين ارتكبوا جريمة اغتصاب صابرين الجنابي ، وانتقدت الهيئة في بيان لها رئيس الوزراء نورى المالكي لعدم تشكيل لجنة للتحقيق فى هذه الجريمة تضم متخصصين ، وقال البيان :” إن قرار التبرئة هو تكريم لمرتكبى الجريمة واستخفاف واضح بكرامة الناس ، إننا فى عهد هذه الحكومة نقف على ممارسات مفجعة ليس لها نظير لدى أية حكومة فى أى من بقاع الأرض وعند أكثر الناس تخلفا وهمجية ” ، مطالبا جمعيات حقوق الإنسان فى العالم بأن تتخذ التدابير اللازمة للكشف عن تفاصيل هذه الجريمة وغيرها من الجرائم دون أن تعتمد على أى من دوائر الحكومة الحالية.

ويجمع المراقبون أن ما حدث مع الجنابي يؤكد حجم المأزق الذى يواجهه المالكى فبعد عشرات الخطط الأمنية لم تتوقف هجمات المقاومة وللتغطية على هذا الفشل الذريع أقدمت قواته الأمنية على اغتصاب الحرائر السنة لإجبارهن على الإدلاء بمعلومات عن رجال المقاومة ، إلا أن المستور انكشف على الفضائيات واتضح أن حكومة المالكى أبعد ما تكون عن تولى مسئولية الدفاع عن الشرف والنخوة العراقية.

كما أن الإدارة الأمريكية سقطت في الامتحان الأخلاقي في العراق، مثلما سقطت في الامتحانين العسكري والسياسي، ولم يعد مقبولاً منها أن تقدم دروساً في الديمقراطية وحقوق الإنسان والأخلاق وجنودها وعملائها يغتصبون العراقيات ويعذبون المعتقلين،ويدمرون المدن والقري فوق رؤوس أصحابها .

لقد بدأ مسلسل الاغتصاب الدنيء في سجن أبو غريب عندما كشفت منظمات حقوق الإنسان أن الكثير من حرائر العراق تعرضن الى الاغتصاب ولم يقتصر الأمر على النساء بل تعداهن إلى الرجال بما فيهم شيوخ وأئمة الجوامع ، واتهمت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة القوات الأمريكية والبريطانية باغتصاب العشرات من نساء وأطفال العراق ، مشيرة إلى تعرض أكثر من400 امرأة عراقية في 2005 فقط إلى الخطف والاغتصاب ، كما أكدت ممثلة اتحاد الأسرى والسجناء السياسيين العراقيين المحامية سحر الياسري أن عدد السجون في كافة محافظات العراق يبلغ 37 سجنا وأن عدد السجناء العراقيين يصل إلي 400 ألف سجين منهم 6500 حدث و10 آلاف امرأة، تم اغتصاب 95% منهن .

وأضافت خلال ندوة بعنوان ” إرهاب الحرب الأمريكية علي الإرهاب ” نظمتها مؤخرا اللجنة العالمية لمناهضة العزل بالتعاون مع جامعة بروكسل الحرة أن الصور التي خرجت إلي العلن عن فضائح وانتهاكات سجن أبو غريب فضحت جزءا يسيرا لكنها لم تظهر كل الحقيقة في بقية السجون، وربما كان أبو غريب أرحم من بقية السجون الأخرى.

والأمر المؤسف أن مرتكبي الجرائم السابقة مازالوا طلقاء أحرار وسيظل الوضع هكذا بسبب القانون الذي وضعه الأمريكان وينص على عدم مساءلة جنودهم عن جرائم الاغتصاب من قبل حكومات الدول التي يتواجدون على أراضيها ، وهكذا يمضي مسلسل الانتهاكات دون رادع ومن الدولة التي تدعي ليل نهار حرصها على نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم.

وحتى وإن انتهى الاحتلال في يوم من الأيام فإن أذياله التى تدربت على يده ستواصل نهجه في تدمير أى أمل لوحدة العراقيين مرة أخرى وكما قال المتنبي ” لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي” ، ولذا لا بديل سوى توحد جميع العراقيين خلف طرد الاحتلال والتخلص من أذياله ، وربما ما قام به منتظر الزيدي عندما قذف بوش بالحذاء قد يكون البداية الصحيحة على طريق تأكيد حقيقة أن جرائم الاحتلال وأعوانه لن تمر دون عقاب.

About this publication