الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر من أكثر الرؤساء الأميركيين معرفة بالصراع العربي الإسرائيلي، فهو الرئيس الذي وقع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل مع الرئيس السابق أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين، وهو ألف كتاباً بعنوان «فلسطين: سلام لا أبارتايد» (عزل عنصري)، وهو أنشأ «مركز كارتر»، وهو الذي زار المنطقة في ديسمبر الماضي قبل بدء العدوان على غزة بعدة أيام، وهو الذي كان قد قابل الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما قبل السفر حيث كان لا يزال الرئيس المنتخب، بعد أن أعلمه بأنه كان في طريقه إلى المنطقة، وأنه يتوقع أن يقابل اللبنانيين الذين ينتظر أن يجروا انتخابات في يونيو، وينتظر أن يراقبها مركز كارتر، وأنه كان ذاهبا إلى سوريا، وأنه كان يتوقع أن يقابل قادة حماس وآخرين، وقد طلب منه أوباما حينذاك أن يرسل إليه تقريرا بعد عودته، وهو ما فعله، وقابله باعتباره رئيسا منتخبا حينئذ بشكل مكثف عشية اجتماع الرؤساء الخمسة الشهير في المكتب البيضاوي، ويقول: إن أوباما استمع ولم يعلق، وإنه أبلغه بكل عمل مركز كارتر، وإن أكثر الأسئلة التي استغرقت أغلب زمن المقابلة كانت عن الشرق الأوسط.
هذا كله يجعل للرئيس كارتر أهمية خاصة حيال القضية بما يمثله من فهم أميركي عن قرب وأقل تحيزاً للصراع العربي الإسرائيلي، ويجعل التساؤل أشد حيال ما نجده بعيداً عن الحقيقة في هذا الصراع.
يزيد من هذا التساؤل ما جاء في كتابه الأخير «نستطيع أن نحقق السلام في الأرض المقدسة الآن: خطة يمكن أن تعمل»، حيث يقول إنه كتب الكتاب لأن الرئيس أوباما يواجه فرصة ومسؤولية كبيرة ليقود إلى إنهاء الصراع بين إسرائيل وجيرانها، وأن الوقت قد حان، وأن السلام ممكن. وعلى ضوء الكتاب قام الكاتب آمي جودمان من برنامج «الديمقراطية الآن» بإجراء حوار معه كشف نقاط الخلاف أو ما أسميه أوهام السلام.
يقول كارتر إن خطته على عكس اتجاه إسرائيل في الضفة الغربية الآن، وهو إنشاء دولة واحدة وشعب واحد بأي طريقة من البحر المتوسط إلى نهر الأردن. أما الحل فهو حل الدولتين الذي تتبناه حكومة الولايات المتحدة، وخريطة الطريق للمجتمع الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، والمبادرة العربية التي وافقت عليها الدول العربية بالإجماع، وهو حل الدولتين القائم على انسحاب إسرائيل أساسا إلى حدود عام 1967، وتقاسم القدس، وهكذا.. وأن هذا قد سبق التعبير عنه، وقبل زمن طويل.
ويقول كارتر إن خطته التي يضع خطوطها الخارجية في كتابه، لها جوانبها العملية لتطوير حل الدولتين الأساسي الذي يمكن للغالبية الساحقة للجانبين أن تقبله. أول هذه التعديلات هو ترك حوالي نصف المستوطنين الإسرائيليين في فلسطين حيث هم، وهم الأقرب إلى القدس، ومقايضتهم بكمية مكافئة من الأرض بفدان مقابل فدان، لتستخدم في ممر ضيق بين الضفة الغربية وغزة بمسافة حوالي 35 ميلا كما يمكن استخدامه لمسار قطار أو طريق عام تحت سيطرة أمن إسرائيل، ويقول الرئيس كارتر: إنه سبق أن ناقش هذه الخطة مع شارون في يناير 2005 وأن شارون وافقه تماماً عليها.
لست أدري كيف يمكن لشخص مثل الرئيس كارتر أن يتصور أولاً إمكان قبول حل غير عادل كهذا، وكيف أنه قد أهمل ما صاحَب المبادرة العربية من شرط حول حق الفلسطينيين في العودة، ومن أوحى أو أوهم الرئيس كارتر؟ وكيف تصور الرئيس كارتر أن شارون كان يقصد الموافقة؟ أم أنه كان ينوي المماطلة عند التنفيذ كما حدث في جميع الأحوال التي اتفق فيها مع إسرائيل، بداية من الهدنة الأولى 1948، إلى اتفاقات وقف إطلاق النيران، إلى معاهدة السلام مع مصر التي وقع عليها الرئيس كارتر نفسه، ثم اتفاق أوسلو مع عرفات الذي مر عليه أكثر من 15 عاماً بدون أن يجد طريقه إلى التنفيذ، بل واغتيل عرفات الذي وقع عليه.
في إجابته على سؤال حول العدوان الأخير على غزة قال الرئيس كارتر إن «ما تريده حماس هو فقط أن يكون لها خط إمداد مفتوح، وإمداد كافٍ من الغذاء والماء والوقود والدواء ليذهب إلى مليون ونصف من الفلسطينيين المحبوسين داخل غزة أساساً»، وإن ما يريده الإسرائيليون هو نهاية لصواريخ وقنابل الهاون التي تطلقها حماس، وإن كلا المطلبين يمكن تحقيقهما.
يوحي حديث كارتر بأن حماس قد تخلت عن مطلب رفع الحصار، وأنها قد تخلت عن إنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين كهدف نهائي، والتفاوض بإخلاص من أجل ذلك كهدف قريب، والإفراج عن المحبوسين في القطاع لتتوقف عند الإمدادات، كما أنه يتجاهل مطلب إسرائيل بطرد الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر، بل ومن غرب الأردن عموماً، وأن هذه المطالب يبدو أن دونها خرط القتاد.
رغم أن الرئيس جيمي كارتر قد قال إنه «لا يظن أن هناك فرصة للمحكمة الجنائية الدولية لفرض أية عقوبات على إسرائيل لارتكاب الجرائم المنسوبة إليها في الأراضي الفلسطينية»، فإنه لا يعتقد أن محاكمة قادة إسرائيل في حال حدوثها ستكون مثمرة، بل «يعتقد بأن خطوة كهذه ستكون غلطة»، ورغم ذلك فإنه يأمل الكشف الكامل عما حدث، وأن ذلك سبب تدخله، وأنه «يظن أن الكارثة التي حدثت لمليون ونصف من الناس في غزة تنتج عنها قوة دافعة يمكن أن تتولد، خاصة مع رئيس جديد في البيت الأبيض وممثل ومفاوض رفيع المستوى، وتفضي إلى اتفاق سلام».
هنا تبدو مغالطة واضحة من الرئيس كارتر حيث لا يشجع على محاكمة قادة إسرائيل، ويتصور أن أحداث غزة يمكن أن تؤدي إلى سلام!
والسؤال مرة أخرى: إذا كان الرئيس كارتر قد جاء إلى المنطقة، وقابل القادة في لبنان وفي فلسطين وفي دمشق، وقادة حماس، وخرج بهذه النتيجة فمن المسؤول عما وصل إليه؟ وإذا كان هذا تصوره فما بال الأميركيين الذين لم تتح لهم فرص الرئيس كارتر؟!
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.