أخيراً أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما خطته التي طال انتظارها والمتعلقة بملف باكستان وأفغانستان، وتحتوي الخطة الجديدة، حسب افتتاحية الواشنطن بوست ليوم الجمعة الماضي، على مزيج من توصيات الإدارة السابقة وعلى جرأة سياسية نادرة، لأن الرئيس الجديد يلزم أميركا (في وقت تعاني فيه من أزمة اقتصادية كبيرة) بمسألة زيادة عدد القوات ومحاولة بناء أفغانستان.
ثمة تأييد لخطة أوباما، إذ إن الشعور العام في واشنطن أن هناك ضرورة للتحرك على أكبر مستوى لمعالجة ملفي باكستان وأفغانستان، فالتقدير الاستخباري يفيد أن القاعدة -ومن باكستان- تخطط لشن هجمات داخل أميركا، ما يستوجب العمل السريع استباقا بالفعل لعملية ناجحة ضد أميركا وهي تعاني من أزمات اقتصادية كبيرة، وأكثر من ذلك فهناك خوف حقيقي بين المتابعين من الاستراتيجيين الأميركيين، مفاده أن سقوط الحكومة في أفغانستان وعودة طالبان من شأنه أن يمنح حرية حركةٍ ومناورةٍ لتنظيم القاعدة الذي سيقوم بدوره باستهداف أميركا على أي مستوى متاح.
والحال كذلك، يفكر الرئيس أوباما بضرورة امتلاك زمام المبادرة، لأن الهدف هو إحباط وتفكيك تنظيم القاعدة ليس فقط في أفغانستان وإنما أيضا في باكستان، ومجرد إعلان أوباما عن الخطة الجديدة هو دليل أو مؤشر على فهم أميركي قد لا يكون جديدا يفيد أن استراتيجية بوش في أفغانستان قد فشلت فشلاً ذريعاً، لأن تنظيم طالبان أصبح أقوى من ذي قبل وأن الضعف الكبير في حكومة أفغانستان وحكومة باكستان يحمل في طياته الكثير من التهديدات الخطرة ضد المصالح الأميركية.
لكن، وبما أن الرئيس أوباما كان قد حدد أفغانستان- باكستان كمسرح للحرب على الإرهاب وليس العراق، فإنه يتبنى استراتيجية جديدة تقوم على شقين: عسكري ومدني، فيسعى أوباما إلى أن ينتصر على أو لنقل يربح تعاطف السكان الأفغان والباكستانيين في مناطق يعمل بها الإرهابيون. فقط عندها تستطيع الإدارة المساهمة في بناء المؤسسات وفي بناء الدولة بشكل سيسمح للأميركان بالانسحاب دون أن يكون ذلك نتيجة لخسارة أميركا في أفغانستان وباكستان.
ما من شك، أن الأنظار تتجه نحو الرئيس الجديد لمعرفة مدى جديته واستعداده للالتزام بتخصيص ظروف النصر في أفغانستان، فقد أشبعنا الرئيس أوباما عندما كان مرشحا للرئاسة حديثا عن أن النصر في أفغانستان يتطلب تبني مقاربة جديدة، وها هو الآن يريد أن يبعث برسالة الجدية والرغبة في العمل للتقليل من خسائر أميركا والتعامل مع التركة الثقيلة التي تركها الرئيس بوش.
لا بد هنا من الإشارة إلى أن فريق أوباما الأمني مؤمن بإمكانية النصر في أفغانستان وباكستان، ولهذا السبب لا تأبه أميركا كثيراً بموقف حلف الناتو الذي يبدو أنه تعب من الوضع في أفغانستان، مما أدى إلى توجه أوباما إلى العمل من خلال زيادة القوات الأميركية بشكل يسمح لها بسحب البساط من تحت أقدام طالبان والمتعاونين معها كمقدمة لتحقيق أهداف أميركا في النصر أو حتى الحوار من موقع قوة.
فالخطاب الذي جاء به أوباما ما هو إلا تعبير عن الإعلان بأنه استلم رسميا ملف الحرب في أفغانستان، بحيث يمكن القول إن الحكم عليه سيكون ليس فقط في كيفية معالجته للأزمة الاقتصادية الطاحنة وإنما فيما يمكن تسميته «حرب أوباما» في أفغانستان وباكستان، فهو بهذا المعنى يعلن توليه القيادة وزمام الأمور في الشأن الأكثر خطورة وهو ملف أفغانستان وباكستان. وعلى العكس من الرئيس الأسبق جورج بوش الذي حدد المهمة في أفغانستان على شكل فرض الديمقراطية، لعل ذلك يكون المخرج في الحرب على الإرهاب، فإن الرئيس أوباما يحدد المهمة بشكل أوضح، وهي أن القوات الأميركية موجودة في أفغانستان لإلحاق هزيمة بالقاعدة في كل من أفغانستان وباكستان.
وهذا يطرح تساؤلاً مهماً من وجهة نظري: هل من الممكن أن تتوصل إدارة أوباما إلى تفاهمات مع معتدلي طالبان والتوصل إلى صفقة تضمن «طالبان المعتدلةُ» عدمَ تحول أفغانستان إلى منطقة ملاذ آمن لتنظيم القاعدة، وألا تكون أفغانستان منطلق الهجمات الإرهابية على المستوى العالمي، مقابل أن تغض أميركا البصر عن ممارسات طالبان فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان والديمقراطية؟! لننتظر قبل الإجابة ونرى!
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.