هل انتهى عصر ١١ سبتمبر؟
بقلم ياسر عبدالعزيز
ليس هناك خلاف على أن ما حدث يوم ١١ سبتمبر ٢٠٠١ كان بمنزلة تدشين لعصر جديد من العلاقات بين العالم الإسلامى من جهة والعالم الغربى وعلى رأسه الولايات المتحدة من جهة أخرى، لكن خلافاً كبيراً قد ينشأ عند الحديث بأن هذا العصر قد انتهى بمجرد إلقاء أوباما خطابه التاريخى من جامعة القاهرة يوم الخميس الماضى.
منذ انهيار البرجين فى مانهاتن وتبنى تنظيم «القاعدة» الغزوة «المظفرة» وما نتج عنها من تداعيات، بدا العالم وقد غرق تماماً فى مرحلة صراع الحضارات، مكرساً أفكاراً من نوع «فسطاطى الخير والشر»، و«من ليس معنا فهو ضدنا»، قبل أن ينخرط فى سلسلة من العداء والدماء والانتهاكات المتبادلة.
ولا شك أن وجود رئيس مثل جورج دبليو بوش فى البيت الأبيض ومعه بعض أركان إدارته من المتطرفين والمأفونين، كان محفزاً رئيساً لاستفحال العداء بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى، كما أن الكثير من ممارسات تنظيم «القاعدة» وبعض الحكومات والتنظيمات العربية والإسلامية، التى لم تستطع التفريق بين المقاومة المشروعة وأعمال التخريب والإرهاب، ساعد على التهاب الصراع وتفاقمه.
وفى تلك الغضون كانت إسرائيل تقدم إلى فكرة «صدام الحضارتين الإسلامية والغربية» أفضل السبل للبقاء والازدهار، وراحت عبر حكوماتها المتعاقبة خلال العقد الراهن توفر الذرائع المختلفة لتكريس تلك الفكرة، وتحقق الفوائد الكبيرة عبر انخراط عدوها الرئيس وحليفها الأهم فى صراع دموى وسوء فهم عميق لم تظهر أى إشارات إلى كيفية تجاوزه وإصلاح تداعياته الخطيرة.
وفى الجانب الآخر، كانت إيران ترى فى تكرس عصر ١١ سبتمبر مجالاً خصباً وواعداً لتدعيم سياساتها فى الهيمنة والتوسع الإقليميين، واستعادة أحلامها فى قيادة الأمة الإسلامية على خلفية «جدارتها» بتصدرها فى حال احتدام النزال، وقد استخدمت لإذكاء توجهها هذا الكثيرين من الذين انخرطوا فى مشروعها سواء بحسن نية وعدم انتباه أو عن قصد وعمد كاملين.
لكن أوباما قرر أن يزور المنطقة، فبدأ من السعودية، التى كانت مرشحة للغزو من قبل بعض أركان إدارة بوش، لكونها من وجهة نظرهم «منبعاً للفكر الإسلامى المتطرف»، وبعدما وصفها بأنها «مهد الإسلام»، وقضى مع عاهلها نحو ساعتين ونصف الساعة فى محادثات منفردة، أكد أنه حرص على هذا اللقاء لـ «الاستماع إلى نصائح الملك عبدالله».
وحط أوباما فى القاهرة، التى ربطتها علاقات متوترة مع سلفه طيلة فترتى ولايته، والتى اتُهمت كثيراً بأن ممارساتها الحقوقية وإدارتها التى يعتريها الفساد وافتقادها للديمقراطية كانت من أهم أسباب استشراء الفكر «الإرهابى»، وأنها صدّرت عدداً لا بأس به من الناشطين الذين شنوا غزوة ١١ سبتمبر، فضلاً عن كونها حاضنة رئيسة لفكرة «السلام البارد»، الذى يعمد إلى «سلب إسرائيل ما كسبته من أراض عربية خلال الحروب»، مقابل معاهدات لا تلزم الجانب العربى بأى جهد نحو التطبيع ودمج الدولة العبرية فى المنطقة وصولاً إلى «السلام الشامل».
وبعدما زار أوباما مسجداً أثرياً فى العاصمة المصرية، عُرف على مر التاريخ بأنه مركز للتسامح الدينى وإعلاء قيم الاجتهاد والاختلاف تحت مظلة الدين الواحد ونبذ التعصب بين مذاهبه، التقى الرئيس مبارك، ووصفه بأنه «قوة خير واستقرار فى المنطقة»، قبل أن يذهب إلى جامعة القاهرة التى لم تتوقف عن إلهام البلد والمنطقة والعالم بالعلم والتقدم على مدى نحو قرن من الزمان حسبما قال.
فإذا كان للمرء أن يختار من بين متون خطاب أوباما التاريخى وهوامشه المهمة عنواناً للخطاب وللحدث فى آن، فلن يكون هذا العنوان أفضل من عبارة: «بداية جديدة». نعم.. قصد أوباما من زيارته وخطابه أن يتحدث مع العالم الإسلامى عن بداية جديدة للعلاقات بين بلاده صاحبة أكبر قوة امتلكتها دولة منفردة عبر التاريخ وبين العالم الإسلامى الذى يعد أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، ويتغلغل بسكانه وأفكاره ومبادئه وقيمه بنفاذ فى أنسجة معظم مجتمعات الدنيا.
لم يعد هناك شك فى أن أوباما لم يعتذر للعالم الإسلامى عن خطايا بوش وإدارته، لكن الشك انتفى تماماً فى أن أوباما عازم على تغيير تلك السياسات الخرقاء، بل والعمل فى الاتجاه المخالف لها، واعتماد سياسة مد الأيدى بدلاً من تأجيج الصراع، وتبنى لغة المصالح المشتركة والاحترام المتبادل عوضاً عن خطابات النصر الفارغ والزهو الأجوف، وامتلاك شجاعة المواجهة فى مقابل ثقافة الكذب والالتواء.
ليس العالم الإسلامى اليوم فى أقوى حال ولا أعز مكانة للأسف، لكنه ليس كامل الانبطاح فارغ اليدين، ولا ينحو مجموعه العام والقوى الأكثر نفاذاً فيه إلى الصدام وقرع طبول الحروب مع الغرب وربيبته إسرائيل، لكن بينه من يؤيد ذلك ويحض عليه ويقدر على تحقيق بعض الانتصارات باعتماده.
لذلك فإن عصر ١١ سبتمبر قد يكون انتهى فعلاً، أو أوشك جداً على الانتهاء، إذا عمّد أوباما نواياه الطيبة وإشارة الود التى يرسلها بإجراءات تتعلق بحظر الانتشار النووى فى المنطقة، بحيث تضع قيوداً على إسرائيل مثل تلك التى تستهدف بها إيران، وقبل ذلك، وأهم منه، أن تتدخل واشنطن بقواها الصلبة والناعمة للضغط على إسرائيل، بما يؤدى إلى حل يضمن للشعب الفلسطينى حقوقه التاريخية فى العيش ضمن دولة بحدود وموارد وأمن وكرامة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.