أوباما والتأسيس لعالم جديد
على الرغم من الملاحظات الكثيرة التي يمكن تسجيلها على نهج الرئيس الأميركي باراك أوباما سواء لجهة عدم وضوح منهجه في التعامل مع قضية السلام في الشرق الأوسط أم لجهة مرونته إزاء التطرف الإسرائيلي لناحية استمرار الاستيطان والقفز فوق قضية القدس فإنه لا يخفى على المراقب أن أوباما سجل بدبلوماسيته الناعمة خلال الأيام القليلة الماضية مجموعة من الخطوات التي إن نفذت على الأرض فمن شأنها التأسيس لعالم جديد يقوم على التعاون والتكامل بدلاً من الصراع والمجابهة. ولعل من أهم هذه الخطوات:
1- دفع مجلس الأمن الدولي بجميع أعضائه إلى تبني القرار 1887 الذي يدعو إلى بناء عالم خال من الأسلحة النووية، وميزة هذا القرار أنه لا يدعو فقط إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية بل إلى نزع هذه الأسلحة من العالم من خلال جهد تدريجي في مجال نزع الترسانات النووية وصولاً إلى معاهدة دولية لنزع أسلحة الدمار الشامل عالمياً، وقد لخص أوباما رؤيته هذه بأنه من غير الممكن كسب حرب نووية وعليه يجب ألا تقع مثل هذه الحرب.
2- القرار التاريخي بإلغاء مشروع الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا الشرقية، وبغض النظر عن دوافع هذا القرار والحديث غير الواضح عن مشروع جديد، فإنه أثار ارتياحاً عالمياً ولاسيما لدى روسيا التي بادرت هي الأخرى إلى التخلي عن مشروع نشر صواريخ بالستية في كالينيغراد موجهة إلى دول أوروبا، وقد أثار القراران مناخاً إيجابياً من التعاون والسعي إلى العمل من أجل منع الصدام لمصلحة إدارة الأزمات والبحث عن حلول سلمية لها.
3- على الرغم من أن اللقاء الذي رعاه أوباما بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في نيويورك لم يسفر عن نتائج ملموسة وأتى في مصلحة أجندة نتنياهو ولاسيما لجهة استمرار الاستيطان فإنه شكل تعبيراً عن تمسك أوباما بعملية السلام وتصميمه على إيجاد حل مقبول للصراع العربي الإسرائيلي، ولعل هذا الأمر يتطلب من الجانب الفلسطيني والعربي الدقة في التعامل مع المرحلة واستحقاقاتها وعدم تقديم تنازلات مجانية باسم عملية السلام.
4- إن من شأن نشر ثقافة السلام والتوجه العالمي نحو نزع الأسلحة النووية إيجاد الثقة اللازمة لحل القضايا المعقدة منها الملف النووي الإيراني وكذلك الكوري من خلال الحوار بدلاً من نهج العقوبات والتلويح بالخيار العسكري، وبما يمهد كل ذلك لفتح ملفات نووية تبدو حتى الآن أنها كانت محمية من قبل الولايات المتحدة، وأقصد هنا الملف النووي الإسرائيلي. دون شك، ما يدعو إليه أوباما لا يمكن أن يتحقق خلال فترة قصيرة بعد كل هذه الحروب والصراعات التي شهدها عالمنا المعاصر، كما أن تحقيق كل ذلك ليس من مسؤوليته وحده بل هي مسؤولية دول العالم التي باتت تجد نفسها أمام تحديات جسيمة تتعلق بوجود الإنسان وقيمه وحريته ومعيشته.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.