أوباما والسودان
ربما تكون الميزة الأساسية لمبادرة الرئيس الأمريكي أوباما تجاه السودان, أنها أسقطت بعض العداء المسبق التي اعتادت السياسة الأمريكية أن تكنه للحكم في الخرطوم, واستخدمت لغة أقل عجرفة وأكثر ليونة, ووضعت العلاقات الأمريكية السودانية علي مفترق خيارين أساسيين, إما إلي المزيد من التحسن أو المزيد من الترصد والعقاب, وباستثناء الإبقاء علي المبعوث الأمريكي إلي السودان الجنرال سكوت جريشن الذي ملك شجاعة مطالبة الكونجرس الأمريكي برفع العقوبات عن السودان وإسقاطه من قوائم الدول المشجعة علي الارهاب, وسعي إلي تقديم صورة مغايرة للموقف في دارفور تخالف الصورة النمطية التي نتهم الخرطوم ظلما بالإبادة الجماعية المخططة للسكان, رغم انتقادات الجمهوريين الواسعة ومحاولتهم إلزام إدارة أوباما عزله أو تغييره, باستثناء هذا الموقف لا تحوي مبادرة أوباما سوي مجرد وعود بإسقاط التحفظات الأمريكية إن سعت حكومة السودان إلي إحداث تغيير حقيقي علي أرض الواقع فلا يزال السودان رغم المبادرة تحت طائلة العقوبات التي يحددها أوباما, ولايزال إحدي الدول التي ترعي الإرهاب.
وما تطلبه مبادرة أوباما من حكومة الخرطوم كي تقدم الجزرة علي العصا, أن تسارع حكومة الخرطوم بإنهاء الوضع الراهن في دارفور, وإعادة السكان اللاجئين في المخيمات إلي قراهم الأصلية, والمضي قدما في نزع أسلحة الميليشيات المسلحة التي تهدد الأهلين, وأن تنهي حكومة الخرطوم كل مشاكلها مع حكومة الجنوب وتحترم كل الشروط التي نصت عليها اتفاقية تقرير المصير, وأن ينأي السودان بنفسه عن أن يكون ملاذا لجماعات الإرهاب, وحسنا أن رأت حكومة الخرطوم علي لسان غازي صلاح الدين أحد مستشاري الرئيس البشير, أن المبادرة تحوي نقاطا إيجابية عديدة, رغم استخدام الأمريكي لتعبير الإبادة الجماعية في توصيفه لأحداث دارفور, وهو توصيف يتجاوز بالفعل حقيقة الصراع وأبعاده.
وربما يمكن اعتبار المطالب التي تضمنتها المبادرة في مجملها مطالب موضوعية, لكن مبادرة أوباما كان ينبغي أن توجه جزءا من اهتمامها لمعالجة مشكلة متمردي دارفور, الذين يرفضون الحوار ويصرون علي المواجهة, ويمعنون في انشقاقاتهم العديدة التي تعطل مسيرة التفاوض, لأنهم بالفعل عنصر أساسي من عناصر المشكلة الدرافورية إن لم يكن أهم عناصرها, لايجوز تجاهله بإلقاء اللوم علي الخرطوم وحدها.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.