فلسطين وأوباما وغياب الاختراق المطلوب
الأربعاء فبراير 3 2010 – كلوفيس مقصود
الأربعاء فبراير 3 2010
لم يعد مقبولاً أن يبقى تحديد موقف إدارة أوباما تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من دون إجابة عربية بمنتهى الوضوح وإبلاغها بصراحة، كما انه لم يعد كافيا اجترار المبادرة العربية التي تبنتها القمم العربية منذ عام 2002 كون إسرائيل في أفضل ترجمة للمبادرة ترى انه بالإمكان اعتبارها إحدى وثائق “ملف الحل” للنزاع العربي الإسرائيلي، وليست كما أرادتها القمم العربية المتتالية صيغة الحل .
إن ما قاله الرئيس أوباما في هذا الموضوع أثناء خطابه يوم الخميس الماضي في فلوريدا انطوى على غبن حقيقي وتحيز مطلق عندما جاء وصفه لإسرائيل ب “إحدى أقوى حلفائنا”، وإن على الفلسطينيين “التخلي عن العنف والاعتراف بإسرائيل . .لكن في سبيل تلطيف وقع التحيز، اعتبر أوباما أن “للفلسطينيين شكاوى ومصالح مشروعة على إسرائيل الإقرار بها” وأن لكل من إسرائيل وفلسطين “مطامح مشروعة” .
المعضلة التي تعيق قدرة أوباما هي دفع الطرفين العودة إلى طاولة “المفاوضات”، كما طرح أن نقطة ارتكاز السياسة الأمريكية هي أنه أي الرئيس أوباما يؤكد أن إسرائيل من أقوى حلفائنا، وأنها حاسمة بالنسبة إلينا، لذا لن نتردد عن تأمين أمن إسرائيل . . بمعنى آخر أن قاعدة الانطلاق هي صيغة العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل، في حين أن “حالة” الفلسطينيين تستوجب “اهتمامنا كون ليس جيداً من أجل أمننا وأمن إسرائيل، إذا كان هنالك ملايين من فاقدي الأمل” .
هذا التوظيف غير المتوازن وغير الدقيق وغير العادل ينطوي على معادلة شديدة الغبن، أن نعتبر أن على إسرائيل القيام “بتنازلات” وعلى الفلسطينيين تلقفها بحيث يتم تنفيس الاحتقان من دون انجاز الحقوق . لذا بإمكاننا التأكيد أن أنسنة غطاء التحيز وتغليفه بإعلان تفهم “لمظالم الفلسطينيين” يشكل بالنسبة لإدارة أوباما على ما يبدو البديل عن حق الشعب الفلسطيني تقرير مصيره .
كما أن “التفهم” الذي يظهره الرئيس أوباما “لشكاوى” الفلسطينيين يبدو كأنه بديل لصيرورة تطبيق القرارات الدولية، وما يمليه القانون الدولي في انجاز حقوق تحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي، وإجبارها، نعم إجبارها على الانسحاب الكامل وتفكيك المستوطنات لا تجميدها المؤقت لأن الاستيطان الذي تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية هو تعبير عن ادعائها بحق الملكية، وليس أنها في هذه الأراضي سلطة محتلة؛ لذا فإنه ليس واردا مطلقا أن يسعى الرئيس أوباما ومبعوثه الخاص السناتور ميتشل إلى دفع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني العودة إلى طاولة “المفاوضات”، ما دامت المعادلة يسودها غموض مقصود في الأساس القانوني، وهو الذي يعبر عنه نتنياهو بأنه مستعد “أن يقدم تنازلات أليمة”، في حين على الرئيس أوباما الرد بأن التنازل هو عما تملك إسرائيل لا عما “تحتل”.
لذلك فإن عدم استقامة المعادلة القائمة تحول دون أية عودة “للمفاوضات”، حتى ولو وصف الرئيس الأمريكي كما فعل في خطابه في فلوريدا أن (محمود عباس يريد السلام مخلصاً، لكن عليه التعامل مع حماس “الرافضة” الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود) . الأهم أن إسرائيل منذ قيامها لا تعترف مطلقاً بحق الفلسطينيين في قيام دولتهم السيدة والمستقلة على أرضها منذ عام 1948 ومنذ 1967 .
صحيح أن التوقعات من أوباما في معالجة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني تبدو أكثر من قدراته، بحيث ترتكز على اعتقاد أن كثافة ثروة ثقافته القانونية من شأنها كشف النقص القانوني في ما أورثته الإدارات السابقة، والتي بدورها عجزت عن إيجاد الصيغة المستندة على “حل الدولتين”، والتي تعمد تجاهل ضرورة تصحيح هذا النقص وبالتالي مكرراً اسطوانة “حل الدولتين”، وكأنه يستصغر عقول العرب إجمالا .
وكما أن عدم الإصرار على “عدم التفاوض” من دون معادلة مستقيمة يستولدها اعتراف إسرائيل بأنها سلطة محتلة من دون غموض أو التباس، كل هذا ساهم في إنهاك السلطة الفلسطينية وجعلها عاجزة عن حسم موقفها، ما ساهم في تعميق الانشطار في الوحدة الوطنية الفلسطينية وترجيح مسوغات الانقسام على أولوية مجابهة ومقاومة التمدد الاستيطاني الإسرائيلي من دون توقف في أراضي الوطن الفلسطيني .
أما أن يشكو الرئيس أوباما كما ورد في مجلة “التايم” أن “الطرفين لم يقوما بإيماءات مطلوبة لدفع المسيرة قدماً”، وتابع “لو أدركت الولايات المتحدة هذا لما كنا جعلنا التوقعات تصل إلى هذا الحد العالي” .
غريب أمر هذا الرئيس المميز، هذا العالم القانوني المرموق، وهذا الخبير المميز وهذا المدمن تاريخياً على التزام حقوق الإنسان، هذا الناشط في ثقافة التحرير، أجل عجيب انه لم يسع إلى النفاذ إلى جذور وأسباب الفشل الذي لازم جميع محاولات الإدارات التي سبقته منذ اتفاقية أوسلو وخرائط الطريق وأنابوليس وأخيراً مكوكيات مبعوثه الخاص ميتشل، حتى يجيء الآن ويقول إن الطرفين لم يقوما “بإيحاءات كافية” بمعنى تنازلات كافية .
عن ماذا يريد أوباما من الفلسطينيين أن يتنازلوا؟ ما هي المكاسب غير القانونية التي حققوها ظلماً وعدواناً وبالتالي عليهم “التنازل” عنها؟ لماذا تغيب الحقائق التي أقامتها إسرائيل على الأراضي المحتلة؟ وماذا تعني مطالبة أوباما الاكتفاء بتجميد المستوطنات؟ وماذا فعلت إداراته عندما أمعن نتنياهو الاستمرار في تهويد القدس وتكثيف المستوطنات القائمة؟
أما أن يقول أوباما إن حكومة نتنياهو ذات الميول اليمينية تشمل أحزاباً مؤيدة للاستيطان ترفض بشدة ترك الضفة الغربية من أجل قيام دولة للفلسطينيين! مرة أخرى عجيب أمر أوباما، الذي يعتبر أن حكومة نتنياهو التي تشمل الليكود أي الحزب الذي يقوده نتنياهو – وكأنه ليس الشريك الرئيسي، وأن الاستيطان حق منبثق من أن إسرائيل مالكة وليست محتلة للأراضي الفلسطينية .
إن الإعجاب، كما المودة، الذي نكنه جميعا للرئيس أوباما، وإعجابنا بقدرته على استيعاب التعقيدات المتكاثرة وقدرته على تحمل مسؤوليات إدارته ونفاذه إلى أسباب الاستحقاقات التي عانت منها الولايات المتحدة في العام المنصرم .
أجل إن هذا الإعجاب كما شوهد على إثر خطابه المؤثر في قاعة الكونجرس يوم الأربعاء الماضي جعل من تصريحه عن القضية الفلسطينية في اليوم التالي في فلوريدا وكأن الدقة في التحليل الذي كان واضحاً في خطابه عن “حال الأمة” غابت عنه بشكل كامل عند تعامله مع فلسطين القضية! لأي درجة تستطيع إسرائيل ردع أي احتمال لاستقامة تعامل الولايات المتحدة مع فلسطين، أم أن الموضوعية المطلوبة تكاد تصير في خانة المستحيلات؟
كلوفيس مقصود
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.