The Iraqi Elections and the American Withdrawal

<--

الانتخابات العراقية والانسحاب الأميركي

الأحد, 21 مارس 2010 00:00 د. عبدالله الشايجي

إرسال إلى صديق طباعة PDF

د. عبدالله الشايجي

بعد مرور أسبوعين على انتخابات العراق، ومع احتدام التنافس بين قائمتي رئيس الوزراء، ائتلاف دولة القانون، وقائمة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي القائمة العراقية، بألوان طيفها، وشبه تقارب في عدد المقاعد التي فازت بها كلتا القائمتين، إلا أن المشهد السياسي العراقي لايزال ضبابياً، ويتبع ذلك المشهد الأمني الذي لايزال هشاً وقابلاً للانتكاسة، كما يقول قائد القوات الأميركية المركزية في المنطقة الجنرال ديفيد بترايوس.

واللافت في الأيام الماضية الحضور الملحوظ للقوائم الرئيسة، وتقدم القائمة العراقية، بقيادة إياد علاوي على قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي. مع توازن مهم للقوائم الأخرى التي ستكون مؤثرة ومرجحة بسبب عدم قدرة أيّ من القوائم على تشكيل الحكومة المقبلة التي ستشهد ولادة قيصرية صعبة، بسبب غياب الأغلبية حسب الدستور لدى أي من الكتل الكبيرة. وكانت الانتخابات البرلمانية العراقية قد جرت على وقع الاحتقان السياسي والإقصاء والتفجيرات وتفكك في الكتل السابقة، واصطفاف سياسي جديد وقوائم مفتوحة، وبمشاركة كبيرة من العرب السنّة.

وكما كان متوقعاً، فقد صوّت الناخب العراقي مجدداً، وإن بأقل نفوراً واصطفافاً من الانتخابات السابقة العام 2005، إلا أن نتائج الانتخابات تؤكد ما ذهبت إليه في مقالتي السابقة في هذه الصفحة، من أن الناخب العراقي صوّت مرة أخرى للطوائف والأعراق والمناطق والتبعية، ولم يصوت بشكل حاسم وواضح للعراق الوطن والدولة والسيادة.

وكانت هذه الانتخابات في منحى آخر صراعا وتنافسا غير معلن، ولكن لا يخفى على أحد بين القوتين الرئيسيتين اللتين تمسكان بالشأن العراقي. أميركا المتراجعة والمتوارية في قواعدها بعيداً عن المدن، مع انخفاض في عديدها لأقل من مئة ألف. ويتوقع أن ينخفض العدد إلى خمسين ألفاً في مطلع سبتمبر المقبل.. وبين إيران الممسكة بشكل مؤثر ووازن بالملف العراقي، وهي التي أعلنت في أكثر من مناسبة عن استعداد طهران لملء الفراغ في بلاد الرافدين. ويبدو الصراع الخفي بين القطبين الأميركي والإيراني في العراق بين موقفين متضادين: أميركا التي تريد حكومة عراقية معتدلة هي أقرب إلى حليف، فيما هي تستعد لخفض قواتها.. وإيران التي تسعى لبقاء العراق كياناً ومنطقة إستراتيجية لا تشكل تهديداً لأمنها واستقرارها.

يرافق ذلك كله زيادة التحرك العراقي في اتجاه منح الشركات الأجنبية، وبخاصة الأميركية منها، امتيازات التنقيب عن النفط العراقي الوفير، والذي يعيد الحديث عن نظرية المؤامرة حول كون النفط أحد أسباب الغزو. وكل هذا مع استحقاقات عديدة مقبلة ستحدد، وإلى حد كبير، هوية العراق وأمنه ومستقبله، ومن خلاله أيضا أمن المنطقة ومستقبلها.

وفيما تقترب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للبرلمان العراقي الذي يبلغ تعداد نوابه 325 نائباً، من بينهم 15 مقعدا مخصصا للأقليات، لتعويضها لكونها خارج حلبة التنافس المركزي. ومن خلال إعلان النتائج النهائية خلال الفترة المقبلة، بدأت تتبلور الصورة وينقشع غبار الانتخابات، عن تقارب بين الكتلتين الرئيسيتين، مع تعادل في الأصوات بين دولة القانون برئاسة المالكي، والقائمة العراقية برئاسة علاوي، ما قد يرفع اتهامات التزوير والتجاوزات بسبب التأخير في إعلان النتائج، والتقارب الكبير بين القائمتين. وهناك توقعات بحصول الائتلاف الوطني العراقي الذي يضم الأحزاب الشيعية على قرابة 67 مقعدا و38 مقعدا للتحالف الكردستاني. وهذه هي الكتل الخمس الكبيرة التي في ما بينها ستشكل الحكومة العراقية الجديدة، في تحالفات وتنازلات وولادة متعسرة.

في هذا الوقت تسرب واشنطن إمكانية تأخير سحب القوات الأميركية، وإبطاء تخفيض القوات. وبخاصة بعدما صرح وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بأنه سيكون هناك «تدهور كبير جدا» في الوضع في العراق، قبل أن يوصي بإبطاء الجدول الزمني للانسحاب. وما يؤكد هذا التحرك الأميركي هو ما أعلنه قبل أيام قائد القيادة الأميركية الوسطى، الجنرال ديفيد بترايوس في جلسة استماع في الكونغرس بأن «الوضع الأمني هش»، يبقى هشاً في العراق، وأن واشنطن مازالت عند خططها لخفض عدد القوات إلى 50 ألفا في نهاية الصيف المقبل. تمهيدا لسحبها كلياً في نهاية العام 2011. مع تسريبات أميركية، ومن المالكي نفسه، بأنه قد تكون هناك حاجة من جراء تأخير جداول الانسحاب والإبقاء على مركز رئيس إضافي للواء مثلا، ولكن مع تقليص بعض قواته في أماكن أخرى.. وإضافة مثل هذه المراكز الرئيسة مسألة رئيسة لتسهيل التواصل مع العراقيين.. إذا كنا نعتقد حقا أن هناك وضعا هشا في العراق.. مثلا في منطقة محددة في الشمال.. فإننا قد نفعل ذلك.. وذلك أمر ندرسه. مع التفكير والتخطيط لأن تكون هناك ستة مراكز رئيسة أميركية بعد خفض القوات في أغسطس المقبل، سيساعد على توفير ضباط اتصال أميركيين للحكومات الإقليمية، وتعزيز إدراك الحالة في شمال العراق.

إذن، ثمة استحقاقات وتحديات عديدة تنتظر العراق والعراقيين والمنطقة. ومعها نتساءل، هل بالفعل سيكون هناك انسحاب كلي وشامل، وتسليم العراق لخصوم أميركا في الداخل والخارج؟ وماذا عن توازن القوى؟ والمصالح والنفط؟ أسئلة واستفسارات كثيرة ذات تداعيات مهمة في استحقاقاتها، على العراق وعلى المنطقة ككل، وفيما بينها، ستشكل المشهد الكبير بكل مكوناته ولاعبيه في الداخل، وإقليميا،ً وأميركياً، للسنوات المقبلة.

كاتب من الكويت

About this publication