أوباما بين مواقع قوته ومواطن ضعفه
بقلم: عاطف الغمري
الرئيس أوباما علي وجه الخصوص يدير دفة الحكم والسياسة, من موقعين متناقضين.. موقع قوة وموقع ضعف. ولابد لهذا التناقض, أن يحكم قراراته السياسية ويؤثر عليها وتشمل مواقع قوته.
(1) إن الأغلبية التي أعطته اصواتها لم تضعه في محل منافسة مع مرشح منافس ينتمي للحزب الآخر. وهو ما اعترف به الرئيس الأسبق بيل كلينتون حين سئل كيف هزمت زوجته هيلاري أمام أوباما, فكانت اجابته: لأنها لم تكن في سباق أمام مرشح منافس, لكنها كانت أمام حركة مجتمعية أكبر. ثم إن الذين اختاروه أعطوه تفويضا بالتغيير, وليس الثبات علي النمط التقليدي لاتخاذ القرار لإدارة السياسة الخارجية.
(2) ان هذه الحركة المجتمعية التي حملته إلي البيت الأبيض, كانت قد تأسست لها مباديء وقواعد, من قبل ظهور أوباما بثلاث سنوات, أقامتها بعض كبريات مؤسسات صناعة السياسة الخارجية, ومعاهد ومراكز الفكر السياسي, وصاغت رؤيتها في وثائق نشرت, والتف حولها قطاع واسع من الرأي العام, كان قد ضاق ليس فقط بسياسات جورج بوش وفريقه, بل أزعجه أكثر من ذلك تراجع مكانة ونفوذ وهيبة الولايات المتحدة في العالم, وهو ما أكدته الظاهرة التي رصدتها مراكز استطلاع الرأي في الولايات المتحدة وأوروبا, وأسمتها العداء لأمريكاAntiAmericanism والتي اعتبرت بمثابة تهديد للأمن القومي الأمريكي.
(3) أن أوباما جاء من خارج المؤسسة المخولة تقليديا وتاريخيا, بتصفية المتسابقين للترشيح للرئاسة, بحيث إذا انتهي السباق لصالح أي منهما, فإن الفائز سيكون ابن المؤسسة, وهو تعبير مجازي, لمجموعة من القوي والهيئات والمؤسسات التي تعتبر نفسها الحارس الأمين علي القيم الأمريكية التقليدية المحافظة, التي غرسها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة. وبالتالي جاء أوباما أكثر تحررا من فكر المؤسسة, وأكثر نزوعا نحو طرح أفكار متطورة ومتغيرة.
وعلي الجانب الآخر تضمنت مواطن ضعفه:
(ا) أن كونه يمثل استثناء من القواعد المستقرة في اختيار الرؤساء, يجعله مستهدفا من القوي المحافظة وبصفة خاصة من الكثيرين في الحزب الجمهوري. وهم يرفضون أفكاره وسياساته, ووجوده ذاته في البيت الأبيض. وهي قوي نافذة ومنتشرة في صميم الحياة الأمريكية ـ السياسية, والاقتصادية والثقافية, والاعلامية, ولها مؤسسات ومراكز نشطة تروج لأفكارها.
(ب) أن دعم بعض القيادات المؤثرة في الحزب الديمقراطي لأوباما كمرشح للحزب, ظل متأرجحا حتي اللحظة الأخيرة, حين كان هذا الترجيح في يد نحو800 من قيادات الحزب الذين يطلق عليهم المندوبون الكبارSuperdelegates وهؤلاء حسموا موقفهم عندما وجدوا ان الحركة المجتمعية تمثل تيارا جارفا لصالح أوباما وليس لصالح هيلاري, ولو أنهم انحازوا لها, لكان معني ذلك زيادة فرصة المنافس الجمهوري جون ماكين, وهو ما يحرم الحزب الديمقراطي من الفوز بالبيت الأبيض.
(جـ) أن أوباما كغيره من الرؤساء جميعهم, تكون عينه علي الفوز بفترة رئاسة ثانية, وبسبب التفاعل الجاري بين ما هو في صالحه وما هو ضده, فضلا عن تضاؤل نسبة المؤيدين له في استطلاعات الرأي, فإن جرأته التي بدأ بها عهده, تبدو الآن مقيدة, وحساباته تخضع لكثير من التأني أو قل التردد.
ولا يمكن تجاهل دور رغبة أي رئيس في ولاية ثانية, في التأثير علي قراراته في السياسة الخارجية.
وكان قد صدر في عام2000 للبروفيسور ديفيد جرينستين أستاذ العلوم السياسية بجامعة برينستون, كتاب بعنوان: الاختلافات بين الرؤساء: نمط القيادة من فرانكلين روزفلت إلي بيل كلينتون, تحدث فيه عن خضوع السياسة الخارجية للرؤساء لحسابات مصالحهم, مما يجعلهم يراعون مطالب القوي والجماعات القادرة علي مساعدتهم في الفوز في الانتخابات, قال فيه: ان ثلاثة فقط بين أحد عشر رئيسا هم الذين تناولهم بالدراسة, هم الذين نجحوا في تحرير إرادتهم كرؤساء من سيطرة المشاعر الخاصة وهم: ايزنهاور, وفورد, وبوش الأب.
وكان كل من هؤلاء الثلاثة قد وجه إنذارا لاسرائيل بمعاقبتها, حين تحدت إرادته, ورفضت مطالبه التي اعتبرها حماية للأمن القومي للولايات المتحدة.
لكني أضيف ـ وهو ما كنت شاهدا عليه في فترة عملي في واشنطن ـ ان كلينتون حاول إرغام إسرائيل علي الانصياع لقبول تسوية سلام نهائي, لكنهم حبكوا مؤامرة مونيكا التي شوشت تفكيره, وشلت قدرته علي اتخاذ قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية.
هذه هي الخريطة التي يجد أوباما نفسه في قلبها وضمن كل هذه العناصر, ما هو معه, وما هو ضده. وجميعها داخلة في عملية تفاعل فيما بينها.
لكن يبقي هناك عنصر مهم, وهو ان الولايات المتحدة تربطها علاقة خاصة بإسرائيل, واسرائيل بدورها ليست طرفا ساكنا, لكنها تحشد كافة القوي المؤثرة والمناصرة لها داخل الساحة الأمريكية, لدعم الموقع المضاد لأوباما وسياساته, ولو كان هناك تحرك عربي منظم ومدروس ومخلص وجدي, داخل هذه الساحة المفتوحة الأبواب, لترتب علي ذلك أثر ايجابي لصالح الموقف العربي. وأقول لو…
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.