الجنرال أوباما
By عبد الحلیم قنديل
Created 07/26/2010 – 19:57
بعنوان (توكلنا عليك يا أوباما)، كان « القدس العربي » قبل أكثر من عامين، وتحديدا في السابع من يوليوز 2008 ، كتبت مقالا نشرته
العنوان الساخر يوحي بالمضمون، وھو عبث تفكير عرب اللحظة الذين وضعوا أحمالهم على كتف أوباما المرشح الأسمر للرئاسة
الأمريكية وقتها، ورددوا أوھاما وضلالات عن أثر إيجابي لأصوله المسلمة، وتوقعوا الخير على يديه في حل القضية الفلسطينية بالذات.
وقد ثبت بعد أكثر من عامين ما لم يكن في حاجة إلى إثبات إضافي، وھو أن الحدأة لا ترمي الكتاكيت، وأن أمريكا ليست جمعية
خيرية، وأن ما بين أمريكا وإسرائيل حالة اندماج استراتيجي، وأن تغير اسم ساكن البيت الأبيض لا يفرق كثيرا في ھذا الموضوع، وأن
أوباما بعد أن صار رئيسا، اختلف عن سلفه جورج بوش في أشياء كثيرة، لكنه على جبهة الصراع العربي الإسرائيلي مجرد نسخة
ملونة من عجرفة بوش الأبيض.
وقد تفاءل كثيرون لم نكن منهم بطلاقة لسان الرئيس أوباما، وبميله البلاغي المبهر أحيانا، وبخطابيه الشهيرين في البرلمان التركي
وجامعة القاھرة، اللذين أوحى فيهما بتفهمه لمظلومية الفلسطينيين، ورغبته في علاقة صداقة مع شعوب العالم الإسلامي، بينما لم يكن ذلك
كله سوى حملة علاقات عامة، أرادت منها المؤسسة الأمريكية الحاكمة استثمار مزايا أوباما الشخصية، واستخدامه كسلعة إعلامية،
وكسب القلوب والعواطف، وتحسين صورة واشنطن في استطلاعات الرأي التي تجري سنويا على الطريقة الأمريكية.
ويبدو أن أوباما نفسه بدا مغرما بالدور، أي بإعارة كلامه لنا واستبقاء فعله لإسرائيل، ودخل في منازعات ظاھرة مع حكومة نتنياھو
الإسرائيلية، وتحدث كثيرا عن ضرورة وقف أو تجميد الاستيطان اليهودي في القدس والضفة الغربية، وحرص على أن يبدو جافا في
تعامله مع نتنياھو لدى زيارة الأخير للبيت الأبيض قبل شهور، أراد أن يواصل الدور، وأن يوحي بجدية تمثيلية لائقة، ثم صدمته الحقيقة
قبل أن تصدم المتفائلين به، وھي أن إسرائيل خط أحمر لدى الإدارة الأمريكية، أيا ما كان اسم رئيسها أو لونه، وأن المساس بالعلاقات
معها ولو باللفظ من المحرمات المطلقات، ولم يكن أمام أوباما إلا أن يعود أدراجه إلى نقطة الصفر، وأن يتصرف كسلفه بوش، كان
بوش يصف شارون بكونه أستاذه، ولم يصف أوباما نتنياھو إلى الآن بكونه الأستاذ، لكنه أبدى لنتنياھو فروض المحبة والطاعة مزادة
منقحة، وبالغ في الترحيب برئيس الوزراء الإسرائيلي خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض، وأعطاه خيط المبادرة، وتعهد ببذل جهد
الإدارة الأمريكية لإجبار عباس على العودة إلى المفاوضات المباشرة، ومن دون فرض أي شروط على إسرائيل، بل ومن دون صياغة
ھدف ولا زمن للمفاوضات، اللهم حديث أوباما على طريقة سلفه بوش عن حل الدولتين، ھكذا في المطلق، وفي فراغ الزمن الذي لا
تنتهي كوابيسه.. ولا مفاوضاته.
وعقب عودة نتنياھو من زيارته المنتصرة لواشنطن، كانت صحف أمريكية كبرى تتحدث عن ھزيمة أوباما أمام نتنياھو، وراحت صحف
إسرائيل تسخر من أوباما، ومن كلماته الطيبة للعرب والمسلمين التي ذھبت مع الريح، بينما كان أوباما نفسه مشغولا بالتأكيد على صداقته
لإسرائيل، وبالضغط على تركيا لوقف تدھور علاقتها بإسرائيل، وبالإعلان المزاد المنقح عن التزام أمريكا المطلق بأمن إسرائيل،
التي تتعهد أمريكا « ترسانة قنابلها النووية » إسرائيل، وعن احتياجاتها الأمنية الخاصة، وضمنا عن « عظمة » وبالحديث المنافق عن
بتحصينها من التساؤل في أي مؤتمر دولي يعقد بهذا الخصوص، وبطريقة غير مسبوقة في كلام أي رئيس أمريكي منذ قيام كيان
الاغتصاب الإسرائيلي.
لا ينصرف السبب فقط إلى مجرد ظروف طارئة ضاغطة على الرئيس الأمريكي، أو على مصالح حزبه الديمقراطي، ومن نوع
اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وتوقع فوز الجمهوريين بها، ورغبة الرئيس أوباما في كسب مودة اللوبي اليهودي
المؤثر في الانتخابات، وإعادة بناء علاقة إيجابية مع أنصار إسرائيل تمهد لرغبته في الفوز اللاحق بفترة رئاسية ثانية، وھذه كلها دواع
مؤثرة بطبيعة الحال، لكنها لا تكفي لتفسير ما جرى، فلم يتحول أوباما عن موقف بلغة الباطن، ولغة الظاھر وحدھا ھي التي جرى عليها
التحول، فقد أبدى أوباما استياء من تشدد نتنياھو، ثم عاد ليفرط في الثناء عليه، ولم يتخذ أوباما إجراء واحدا جديا للضغط على نتنياھو،
ولم يحذ حذو جورج بوش الأب الذي عاقب إسحاق شامير أوائل التسعينيات من القرن الفائت، وأوقف تسهيلات ائتمانية تقدر بأكثر من
عشرة مليارات دولار، كان بوش الأب يريد أن يؤكد على أولوية القرار الأمريكي في العلاقة مع إسرائيل، ونجح وقتها في دفع شامير إلى
الذھاب إلى مؤتمر مدريد، ثم سقط بوش الأب في أول انتخابات رئاسية لاحقة، وھو المصير الذي لا يريده أوباما، ويسعى جهده لتحسين
صورته عند الإسرائيليين والتسليم بأولوية قرار تل أبيب في العلاقة مع واشنطن، خاصة وأن مصالح أمريكا لا تبدو في خطر، فحكام
العالم العربي في جيب جاكت الرئيس الأمريكي، والرئيس الفلسطيني عباس عند طرف أصبع أوباما، وأصغر موظف في الخارجية
الأمريكية يكفي لنقل الأوامر إلى الجامعة العربية، والنتيجة معروفة سلفا، فقد تعود حكامنا على أن يؤمروا فيصدعون.
تصور المتفائلون العرب، وھم الموسومون بعبودية الوجدان، أن أوباما أقرب إلى صورة السيد المسيح، بينما غابت عنهم الحقيقة الناطقة،
وھي أن أوباما قد يكون رجلا أسود بقلب أبيض، لكن المؤسسة الأمريكية البيضاء قلبها أسود تجاھنا بالذات، وقد تحولت المؤسسة بأوباما
من صورة المسيح إلى صورة الجنرال، ثم أورثته جينات احتقار الضعفاء واحترام الأقوياء، فالسياسة الأمريكية لا تقف مع الحق لأنه
حق، ولا تقف ضد الباطل لأنه كذلك، والقوة عندھا ھي الحق المطلق، وھي لا تتراجع عن خطأ إلا تحت ضغط العنف الدموي، وقد انتهى
جورج بوش إلى قرار الانسحاب من العراق تحت ضغط ضربات المقاومة، ومشى أوباما خلفه، وراح يجرب حظه بحثا عن نصر ضائع
في أفغانستان، ضاعف القوات، وأشعل حربا يخسرھا الآن، وتعجل بقرار الخروج من أفغانستان، بينما لا شيء يقلقه الآن على جبهة
الصراع العربي الإسرائيلي، وإسرائيل تسعى إلى تجريب الحظ الحربي مع حماس وحزب لله وسورية وإيران، وتعد أوباما بالنصر الذي
يعوض الهزائم الثقيلة في العراق وأفغانستان، ربما لذلك كانت قضية إيران لا قضية فلسطين ھي البند الأول في مباحثات أوباما مع
نتنياھو، وليس سرا أن تنسيقا عسكريا متصلا يجري الآن بين واشنطن وتل أبيب، وأن تفاصيل التفاصيل في خطط الحرب يجري بحثها،
وأن الخلاف فقط – إلى الآن – على ساعة الصفر، فإسرائيل تتعجل، وواشنطن تبدي ميلا إلى التمهل، ولا تريد إسرائيل أن تذھب وحدھا
إلى الحرب، فهي لا تثق بالنصر، ونتائج حروبها الأخيرة في لبنان 2006 وفي غزة 2009 لا تبشر بنصر أكيد، وھي تريد دعم أمريكا
العلني، وربما مشاركتها المباشرة بالسلاح، ويبدو أوباما مترددا، لكن المؤسسة الأمريكية على ما يبدو حسمت قرارھا، ووافقت على
تخفيا بنية الشروع في الحرب « العودة إلى المفاوضات » .خطة تمويه تحمل عنوان
الرأي
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.