كلھم یحرقون القرآن
أمل عبد العزیز الھزاني
الاحد 03 شوال 1431 ھ 12 سبتمبر 2010 العدد 11611
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الرأي
في أحد فنادق العاصمة واشنطن الواقع بين البيت الأبيض ومبنى الكونغرس، كنت أتصفح كتاب خدمات
وبفضول، اتصلت بخدمة العملاء لأستفسر عن ھذه الخدمة، فرد علي ،« خدمات دينية » النزلاء، فلفتني عبارة
بسؤال عن الدين الذي أستفسر عن خدماته، قلت له إنه الإسلام، فقال إن الفندق يقدم خدمة توصيل « مايكل »
إلى مسجد يبعد خمس دقائق عن الفندق، قلت له وماذا عن اتجاه الصلاة، وكنت متعمدة أن لا أذكر كلمة
لأقيّم مدى معرفة إدارة المكان بالتفاصيل، فاستأذن لنصف دقيقة ثم عاد متحمسا ليشرح لي « القبلة » أو « مكة »
بالنسبة لغرفتي، على حد قوله. ولو قلت إني يهودية أو بوذية بالتأكيد سيكون لي Holy Mecca اتجاه مدينة
نصيب من خدماتهم.
يظن المرء للحظة أن سكان ھذا البلد كلهم مثل مايكل، على درجة عالية من الانفتاح واحترام ثقافات الآخرين،
ولكن للأسف ھذا غير صحيح، أميركا مثل أي بلد آخر فيها مجانين من المتطرفين من جميع الأديان والميول
السياسية والثقافية، فيها صقور، وحمائم، ومرتزقة من الغربان.
الساسة الأميركيون ھذه الأيام يشجبون نية إحدى الكنائس في فلوريدا حرق نسخ من القرآن الكريم، ووصموا
الفعل بالأحمق والوقح والخطير، والمتدينون المعتدلون من اليهود والمسيحيين في أوروبا وأميركا والبلاد
العربية تبرأوا من ھذا العمل، الفاتيكان يندد، والمجلس اليهودي في ألمانيا يعتبره استفزازيا وإھانة لكتاب
مقدس، في حين يتحضر المتطرفون لإحراق القرآن في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، فهناك دائما
تفاحة فاسدة في الصندوق. ولا أعرف لماذا لم يحتفل ھؤلاء بحرق القرآن الكريم في الذكرى الأولى لأحداث
سبتمبر، أو لماذا لم ينتظروا السنة المقبلة لإحياء ذكرى مرور عشر سنوات على الحدث الكبير.. لماذا ھذا
العام؟
التهديد بحرق القرآن الكريم جريمة حتى قبل تنفيذ التهديد، لأنه استفزاز لمشاعر أكثر من مليار إنسان، تماما
كما أن مشروع بناء مسجد في موقع برجي التجارة في نيويورك استفزاز لمشاعر الأميركيين المعتدلين، بل
وأشعل التطرف في نفوس الصامتين كما حصل مع القس جونز الذي ربط تعليق حرق القرآن بتغيير موقع بناء
المسجد من على أرض ھجمات سبتمبر. ھذا المسجد جلب المفاسد حتى قبل إقامته، أضر بمصالح المسلمين
بالبناء مثل التهديد بحرق القرآن، وسيظل يجر وراءه البلايا حتى تنطفئ فكرته. يقول أحد « تهديد » وھو مجرد
كان الأولى بالمسلمين طرح مشروع بناء مركز لحوار الأديان لضرب فكرة » : الغاضبين من مشروع المسجد
قلت له بل لا داعي لبناء أي شيء، دعوا المكان خاويا من ضجيج .« التطرف في موقع شهد بشاعة التطرف
الجدال والنزاعات ليجد أھالي الضحايا مساحة يضعون فيها باقة من الزھور كل عام دون أن تختلط مشاعر
حزنهم بالضغينة، لا تضيقوا عليهم مساحات الذكرى. ھذا المركز الإسلامي المزمع بناؤه سيتحول إلى مركز
محاماة للدفاع عن الإسلام، ولكنه سيكون دفاعا ضعيفا، لأن المحامي يترافع وقدمه فوق جثة الضحية.
وفي القرآن الحكيم آية تمثل درسا في الدبلوماسية والحنكة في التعامل مع الاختلاف، يجب أن يعيه إمام مسجد
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ للهَِّ فَيَسُبُّوا للهََّ عَدْوًا بِغَيْرِ » : تعالى يقول
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.