نعتقد ان انسحاب القوات الاميركية المقاتلة من العراق ، هو بمثابة هروب ، بدليل الطريقة التي تم بها هذا الانسحاب ، حيث تم قبل الموعد المقرر باسبوعين تقريبا ، وبسرعة ، رغم توسلات مسؤولي السلطة العراقية ، الى جانب الطريقة التي تم بها ، والاحتياطات القتالية التي اتخذتها ، اثناء الانسحاب الى الكويت ، وكأنها في حالة اشتباك فعلي مع المقاومة ، ما يؤكد ان انسحابها هذا ، هو هروب من المستنقع الذي غرقت فيه ، هذا اولا.
ثانيا: يجيء هذا الإنسحاب بعد أن تعذر على هذه القوات تحقيق الانتصار الذي وعد به بوش الصغير ، وأصبح الانسحاب بعد ذلك جزءا من برنامج أوباما الانتخابي الذي حقق بموجبه الفوز على بوش ، ومن هنا فهذا الانسحاب هو جزء من برنامج الإدارة الأميركية الحالية ، لمواجهة الجمهوريين في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في خريف هذا العام.
وفي هذا الصدد نجد لزاما التذكير بأن تقرير هاملتون – بيكر ، الذي وضع بناء على توصية بوش ، قد أوصى بانسحاب هذه القوات ، بعد أن تعذر تحقيق الانتصار والاستقرار في العراق.
ثالثا: فشلت واشنطن في تحقيق كل ما وعدت به الشعب العراقي ، فلم تحقق الديمقراطية ، ولم تقم الدولة العلمانية الحديثة ، وتؤكد الاحصاءات أن الشعب العراقي ، يعيش في مأساة حقيقية ، وأوضاع هي إلى أقرب إلى العصور الوسطى.
ففي تقرير لجامعة جونز هوبكنز ، فقد خلف الاحتلال 655 الف قتيلا ، أي حوالي 3% من عدد السكان ، في حين أن الاحصاءات العراقية الموثوقة ، تؤشر على حجم الكارثة التي سببها الاحتلال ، وتفوق كل وصف.
ففي الأرقام بأن الاحتلال خلف 1,5 مليون قتيل ، مليوني جريح ، 5 ملايين مهجر ، 1,5 مليون أرملة ، 5 ملايين يتيم.
ومن جهة ثانية يكشف تقرير “التصنيف العالمي للسلام” الصادر في حزيران 2009 ، أن العراق هو أكثر بلد في العالم يفتقد فيه الأمان.
رابعا: يرى بعض المحللين إلى أن هذا الانسحاب ، الذي هو أقرب إلى الهروب ، هو عبارة عن إخراج القوات الأميركية من المصيدة ، فيما لو وقعت حرب بين اميركا وايران ، حيث تصبح هذه القوات هدفا مثاليا ، لحلفاء ايران في العراق ، وهم كثر.
خامسا: إن فشل واشنطن في تأليف حكومة في العراق ، وبعد خمسة أشهر من إجراء الانتخابات ، هو دليل اكيد على فشل سياستها في العراق ، ما حدا بالرئيس الأميركي أن يستنجد بالسيستاني ، وهي مفارقة تستحق التوقف ، لمساعدة واشنطن في الخروج من المأزق ، والضغط على الأطراف الموالية للسيستاني ، لتشكيل حكومة وفاق وطني ، ما أسهم في الخروج من العراق ، أو بالأحرى بالهروب من أرض الرافدين.
باختصار.. الانسحاب الأميركي من العراق ، لم يكن تنفيذا للاتفاقات المعقودة ، بل يجيء استجابة للظروف والمستجدات ، التي حتمت على واشنطن الهروب ، دون أن يرفع جنودها شارة النصر ، وهم يغادرون ارض المعركة ، ودون ان تعلن ايضا ، انتهاء الحرب ، ولكل لحادث حديث.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.