شكلت الخطوة الأميركية الأخيرة، التي أعلنها الرئيس باراك أوباما بتعيين روبرت فورد سفيراً للولايات المتحدة بدمشق بعد خمس سنوات من شغور هذا المكان، تقدماً ملموساً وإيجابياً على صعيد تفكيك وحلحلة مجموع الاستعصاءات العالقة في ملف العلاقات الأميركية السورية، وهي العلاقات التي شهدت مداً وجزراً من يوم إلى يوم طوال السنوات الماضية مع تطورات أزمات المنطقة وخصوصاً منها أزمات ملفي العراق ولبنان إضافة للقضية الفلسطينية.
بهذا التعيين سيشغل روبرت فورد المنصب، الذي ظل شاغراً، منذ أن قام الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بسحب سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في سورية مارغريت سكوبي، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005.
ويعتبر فورد صاحب خبرة دبلوماسية طويلة في منطقة الشرق الأوسط، ويتحدث العربية بطلاقة، وسبق له أن شغل مناصب مختلفة في البعثات الدبلوماسية الأميركية في البحرين ومصر وتركيا، كما عمل سفيراً لبلاده في الجزائر بين 2006 و2008، إلى أن شغل منصب نائب رئيس البعثة الأميركية في بغداد.
والمهم في قرار الرئيس أوباما، ليس فقط اتخاذ تلك الخطوة بل في محتواها حين أعلن أوباما أن قراره الأخير ذاك يأتي «التزاماً بالانخراط في دعم المصالح الأميركية عن طريق تحسين التواصل مع الحكومة والشعب السوري» وفي ذلك إشارة واضحة إلى مدى الضرر الذي لحق بالولايات المتحدة على الصعيد السياسي جراء مواقفها السابقة السلبية من سورية، وبعد سنوات من محاولات عزلها وإقصائها عن المشهد السياسي وعن مسار الأحداث في المنطقة، فجاء القرار الأميركي للرئيس لأوباما في سياق اعتراف الإدارة الأميركية بأهمية الدور الذي تلعبه سورية في المنطقة، وكمؤشر على قلب صفحة جديدة في ملف العلاقات السورية الأميركية، بعد سنوات طويلة من التباينات الحادة والواسعة.
إذاً، وعلى خلفية التطورات التي وقعت، فإن الموقف الأميركي جاء متفهماً لتلك التحولات، وعليه أقدم الرئيس باراك أوباما على قراره الجديد بتعيين روبرت فورد سفيراً للولايات المتحدة بدمشق.
لقد جاء قرار الرئيس باراك أوباما بتعيين سفير للولايات المتحدة بدمشق، بعد مخاضات عسيرة شهدتها العلاقات بين البلدين، ووصلت ذروتها إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف العام 2006، حين بدأت مواقع القرار في واشنطن تعيش في حيرة من أمرها بالنسبة لملف العلاقات مع دمشق، فلا الحرب نجحت في الوصول إلى الأهداف التي رسمتها إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة على صعيد قطف نتائجها بجر سورية ولبنان إلى موقع التنازل، ولا سورية تراجعت عن ثوابتها الوطنية المعلنة بالنسبة للصراع مع إسرائيل، ولا تراجعت عن تحالفاتها الإقليمية المشروعة في الإطار الإقليمي، على الرغم من سيف الضغوط التي تواصلت عليها.
فالولايات المتحدة، ومنذ الأيام الأولى للعدوان على لبنان صيف عام 2006، حاولت اشتقاق تكتيك سياسي عنوانه إخراج دمشق من دائرة الفعل وتهميشها وعزلها، أو على الأقل تحييدها وإبعادها، لكن منطق الأحداث على الأرض، والنتائج التي ترسخت مع مضي الوقت، دفعت أميركا لإعادة النظر في خطواتها السابقة، والموافقة على فتح قنوات الاتصال مع دمشق.
والآن، وبعد أكثر من أربع سنوات من انقضاء الحرب على لبنان صيف عام 2006، باتت الإدارة الأميركية على قناعة بأنها ارتكبت خطأ بمحاولتها عزل سورية.
فقد استطاعت سورية أن تعبر مأزق الضغوط الخارجية عليها بمزيد من الحنكة والاقتدار، دفعت حتى الإدارة السابقة للتفكير بطريقة مغايرة لتصحيح العلاقات مع سورية، والاعتراف بدورها المحوري في المنطقة، وبفشل سياسة لي العنق معها. وفي الوقت نفسه تنامت على نحو إيجابي مواقف دول الاتحاد الأوروبي تجاه سورية، حيث انطلق العديد من الأصوات الأوروبية المؤثرة، التي عبّرت عن قناعة ازدادت رسوخاً بأنه دون سورية «تبقى محاولة عملية السلام في المنطقة دون جدوى»، وهو ما ساعد على كسر حدة المواقف الأميركية المتشنجة تجاه دمشق، وساعد في فتح النوافذ والأبواب التي أوصدت أمامها في فترات سابقة.
وعليه، فإن الإدارة الأميركية السابقة فتحت نوافذ للحوار مع دمشق عبر قنوات غير رسمية في البداية، دلت عليها الوفود المتتالية التي تقاطرت إلى العاصمة السورية خلال السنوات الأربع الماضية، وصولاً إلى الزيارة الرسمية الأولى لرئيسة مجلس النواب الأميركي عن الحزب الديمقراطي نانسي بيلوسي لدمشق.
حيث قادت تحركاً سياسياً وتكتيكياً مناوئاً لسياسة العزل والإقصاء التي استخدمتها إدارتا الرئيسين بوش (الأب والابن) ضد سورية، بعد عدة سنوات من محاولات عزلها والضغط عليها، بل استبعادها من أي ذكر حين يكثر الحديث عما يُسمى عملية السلام في الشرق الأوسط والاكتفاء بترديد عبارة أن «سورية تعرف ما يتعيّن عليها عمله» فكانت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي بداية المشوار في إعادة ترتيب العلاقات السورية الأميركية، على الرغم من اعتراض شخصيات مهمة في البيت الأبيض سنتذاك.
وفي النتيجة، فإن عودة الروح للعلاقات الرسمية بين دمشق وواشنطن بعد تعيين السفير الأميركي الجديد، خطوة متقدمة على صعيد إعادة البحث في مسار العلاقات بين البلدين.
كما تشكل خطوة على الطريق الطويل المنتظر، لتطوير الموقف الأميركي في اتجاه الانزياح لمنطق الحق والعدالة، بعد عقود طويلة من الفجاجة الطاغية في السلوك السياسي للولايات المتحدة الأميركية المنحاز إلى جانب إسرائيل.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.