مارست الإدارة الأمريكية ضغطاً كبيراً على الطرف الفلسطيني للدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الجانب الاسرائيلي من دون شروط رغم أن الطرف الفلسطيني كان يصّر على ضرورة التجميد التام للاستيطان ثم الدخول من دون شروط أيضاً في المفاوضات المباشرة التي تعثرت رغم أنه كان يصّر على ضرورة حدوث تقدم في المفاوضات غير المباشرة قبل الانتقال إلى المفاوضات المباشرة التي تعثرت .
وكان الطرف الفلسطيني محقاً في كل ذلك بعد العناء الطويل من المفاوضات العبثية مع الجانب الاسرائيلي التي دارت به في ردهاتها دون الوصول إلى محصلة ملموسة في وقت استثمر فيه الجانب الاسرائيلي هذه السنوات لتوسيع عدوانه على الأرض الفلسطينية والتهام المزيد منها تحت وطأة المستوطنات كما استثمر هذه السنوات أيضاً في تجميل صورته أمام الرأي العام العالمي على أساس أنه يسعى للسلام مع أنه بعيد كل البعد عن أي منحى جاد للسلام وممارساته اليومية شاهد على ذلك .
والراعي الأمريكي الذي يعترف بعدم قانونية الاستيطان لا يتخذ أي موقف يلزم الجانب الاسرائيلي بذلك، مع أنه مبدأ من مبادئ القانون الدولي في المقام الأول بل يقابل أي عدوان على الأرض الفلسطينية بعبارات خجولة، ورغم حرصه على استمرار المفاوضات، فإنه لم يتخذ موقفاً حاسماً وحازماً يلزم الجانب الاسرائيلي بوقف بناء المستوطنات حتى تنطلق المفاوضات بحكم أنها العقبة الكأداء أمام انطلاقها، ومعروف أنه لديه أوراق قوة وأوراق ضغط يمكن أن يستخدم أياً منها في سبيل تحقيق ذلك الهدف، وحرصه على انطلاق المفاوضات، ويرتكز على حرصه على دوره راعياً لعملية السلام، وليس مرتكزاً على أهداف موضوعية تحقيق للفلسطينيين حقوقهم المشروعة على أرضهم المحتلة.
وبسبب إصرار الجانب الاسرائيلي على مواصلة عدوانه على الارض الفلسطينية ببناء المستوطنات حاولت الإدارة الأمريكية أن تقدم حوافز للجانب الاسرائيلي تتمثل في مساعدات أمنية وعسكرية وسياسية، وحصانة من أي مشروع قرار في مجلس الأمن لإدانة الجانب الاسرائيلي.
واستثمر الجانب الاسرائيلي هذا الموقف الأمريكي المتهاون في مسار ابتزازي، ورفض هذه الحوافز، ربما لأنه يدرك أن الولايات المتحدة حاضرة دائماً لتقديم المساعدات الأمنية والعسكرية والسياسية، وحتى الحصانة من أي مشروع قرار دولي، بحكم أنها الحليف الاستراتيجي في المنطقة، والحلف الاستراتيجي بينهما هو عضوي وبنيوي، وتؤكد عليه الإدارات الأمريكية دائماً، ولكن استمرار توقف المفاوضات يجعل الإدارة الأمريكية تبدو غير قادرة على أداء الدور الذي تود الظهور به في رعايتها لعملية السلام، وهو دور حريصة كل الحرص عليه ولا تود أن يشاركها فيه أحد .
ومن المفارقات أن هذا الحرص الأمريكي على رعاية عملية السلام، يصب في مجمله في مصلحة الجانب الاسرائيلي، لأن الإدارة الأمريكية لا تنظر إلى القضية الفلسطينية وحولها إلا بمنظور اسرائيلي، وهذا ما يجعل الجانب الاسرائيلي يرفض أي دور حقيقي لأي قوة أخرى في العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي يظل متعاطفاً إلى أبعد الحدود مع الجانب الاسرائيلي، وعلى حساب القضية الفلسطينية . . والحقوق الفلسطينية .
إن عملية السلام التي تبدو متوقفة حتى إشعار آخر تجد فيه الإدارة الأمريكية مخرجاً من المعضلة التي وضعها أمامها الجانب الاسرائيلي بسبب تطرفه وإصراره على بناء المستوطنات ورفضه التمديد الجزئي والمؤقت للاستيطان لأشهر ثلاثة، مع أن هذا التمديد الجزئي والمؤقت لا يتناغم ولا يلبي مطالب القانون الدولي الذي يعتبر الاستيطان غير شرعي من حيث المبدأ، ومن اللافت للنظر أن الإدارة الأمريكية أعلنت تخليها عن مسعاها لإقناع الجانب الاسرائيلي بتمديد التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان .
وهكذا يظهر الدور الأمريكي في رعاية عملية السلام متعثراً، ليس بسبب الصلف الاسرائيلي وإصرار الجانب الاسرائيلي على الاستمرار في بناء المستوطنات فحسب، لكن بسبب الإدارة الأمريكية التي تنأى عن اتخاذ أي موقف جاد يلزم اسرائيل مراعاة اعتباراتها قبل مراعاة اعتبارات القانون الدولي .
إن كل ذلك يوضح بجلاء للطرف الفلسطيني أن الإدارة الأمريكية في رعايتها لعملية السلام ليست جادة ولا يؤمل الكثير منها حتى لو وصلت إلى مخرج يحرك المفاوضات التي توقفت، وهو مخرج لا بد أن يكون محل رضا اسرائيلي .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.