كلكم تتذكرون خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في جامعة القاهرة في 4 حزيران (يونيو) 2009، عندما أعلن تضامنه مع معاناة الشعب الفلسطيني “الواقع تحت الاحتلال”، مؤكداً أن إقامة الدولة الفلسطينية ستكون على رأس أولويات عمل إدارته. ودعا حينها إلى وضع حد للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وهو ما جعل أوساطاً سياسية عربية وفلسطينية تعتقد أن إدارة أوباما ستنتصر للحقوق الفلسطينية، الشيء الذي لم تقم به أي إدارة أميركية سابقة.
يومها، اعتقد المفاوض الفلسطيني أنه سيكون أمام مفاوضات “مريحة” مع الجانب الإسرائيلي، وبأن تل أبيب هي الطرف الذي سيجد نفسه في مواجهة ضغط أميركي متوقع في سياق قيام واشنطن بترجمة خطاب الرئيس بشكل عملي.
وعلى ذلك أيضاً، أشهر المفاوض الفلسطيني -للمرة الأولى منذ بدء مسيرة التفاوض منذ نحو عشرين عاماً- مطلب الوقف التام والشامل للاستيطان كمقدمة لازمة لبدء مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. ويبدو أنه لم يقبل على نفسه أن يكون موقفه أقل تقدماً مما أعلنه الرئيس الأميركي، بل إنه أضاف أيضاً مطلب تحديد مرجعية المفاوضات، بما يحدد قيام الدولة الفلسطينية المتوقعة على أساس خطوط الرابع من حزيران (يونيو) 1967. وعلى هذا، كان المفاوض الفلسطيني يرى نفسه جاهزاً لخوض “مفاوضات مظفرة”، وقد تعزز لديه هذا التقدير بعد صدور بيان اللجنة الرباعية في 26 حزيران (يونيو) 2009، والذي حث حكومة إسرائيل على “تجميد كل أشكال النشاط الاستيطاني، بما في ذلك النمو الطبيعي، وتفكيك البؤر الاستيطانية التي أقيمت منذ آذار (مارس) 2001، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية في القدس الشرقية، بما في ذلك هدم المنازل وعمليات الإخلاء”.
وللمرة الأولى منذ أن اعتلى الرئيس محمود عباس سدة القرار الفلسطيني، لم تنجح الضغوط الأميركية وغيرها في ثني الجانب الفلسطيني عن مواصلة تحركه السياسي باتجاه مؤسسات الأمم المتحدة بدءاً من مجلس الأمن، في سياق فتح معركة مع سياسات الاحتلال التوسعية، بعد أن انقضى الكثير من الوقت الفلسطيني الحرج في الرهان على الجهود الأميركية وقدرتها على تأمين الأسس اللازمة لإطلاق مفاوضات تتمتع بأسباب النجاح، ربطاً بالوصول إلى حل متوازن وشامل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
هذه الجرأة أعادت الموقف الأميركي إلى سياقه الطبيعي، واستخدمت واشنطن حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن ضد مشروع القرار العربي الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي، على الرغم من أن هذا المشروع حظي بتأييد دولي واسع. ولم يأت الموقف الأميركي هنا خارج سياق التوقعات، فقد بذلت الإدارة الأميركية جهداً قبل جلسة التصويت كي “تقنع” الجانب الفلسطيني بسحب مشروع القرار من التصويت، ولم “تبخل” عواصم عالمية عدة في التقدم بمثل هذه الجهود للهدف ذاته.
واشنطن حاولت بشكل محموم منع التصويت على مشروع القرار بشأن الاستيطان، وفعلت من خلال الرئيس أوباما الذي اتصل مع الرئيس عباس في مكالمة طويلة، قدّم خلالها الرئيس الأميركي عرضاً مقابل إقدام الجانب الفلسطيني على سحب مشروع القرار من التصويت، وقد تضمن العرض الأميركي رزمة من الإجراءات من بينها:
– إصدار بيان رئاسي عن الإدارة الأميركية حول الاستيطان وبلهجة قوية (!).
– موافقة واشنطن على قيام وفد من مجلس الأمن بزيارة للأراضي الفلسطينية. مع أن هذا كان اقتراحاً سابقاً قدمته روسيا الاتحادية ورفضته إدارة أوباما.
– إصدار بيان من اللجنة الرباعية يستجيب للمطالب الفلسطينية، ويرفض بشكل صريح الاستيطان، ويقر بحدود 4 حزيران (يونيو) 1967، ولكنه (أي البيان) يؤكد في الوقت نفسه على ترتيبات توفر الأمن لإسرائيل.
المواقف الأميركية في الموضوع الفلسطيني لا تتغير ولا تتبدل، لهذا يهتف الفلسطينيون والعرب في الشوارع: “أميركا هي هي.. أميركا راس الحية”.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.