اللحظات الأخيرة قبل “التدخل العسكري”
الغرب، وعلى رأسه بالطبع الولايات المتحدة، على وشك التدخل عسكرياً في ليبيا . وهو سيفعل ذلك في الدرجة الأولى لحماية إمداداته ومصالحه في النفط الليبي (مليون ونصف المليون برميل يومياً)، وفي الدرجة الثانية أو حتى الرابعة والخامسة لحماية الشعب الليبي من بطش نظامه الدموي .
الخطوة الأولى قد تأتي من مجلس الأمن في نيويورك، مدعوماً من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف . وهي ستتضمن على الأرجح فرض حظر جوي لمنع النظام الليبي من قنص مواطنيه بالطائرات الحربية، كما فعل باعتراف ساعدي القذافي، وأيضا لمنعه من مواصلة استيراد الجنود المرتزقة من إفريقيا .
بيد أن هذه ستكون الخطوة الأولى فقط . فقد أكدت البنتاغون أنها تضع مختلف الخطط والسيناريوهات العسكرية كي تكون بتصرف الرئيس أوباما في حال اتخذ قرار التدخل . وهذا يشمل، على ماقيل، احتلال حقول النفط لمنع النظام الليبي من إحراقها كما فعل صدام حسين في أيامه الأخيرة في الكويت . كما أنها قد تتضمن لاحقاً فرض حظر على استخدام النظام الليبي لطائرات الهليوكوبتر والدبابات ضد المواطنين المدنيين .
ماذا تعني كل هذه التطورات المتلاهثة؟ أمرين اثنين:
الأول، أن لحظة الحقيقة دقّت بالنسبة إلى النظام الليبي . فهو أُعطي (من قِبَل الغرب) فرصة أسبوع كامل لسحق الثورة الشعبية بالقوة العارية . لكن، حين تبيّن أنه عاجز عن إعادة مواطنيه إلى القفص عبر الترهيب والتخويف والقصف الصاروخي والمدفعي، بدأ الغرب يعيد النظر في صفقاته الفاوستية (الشيطانية) مع النظام والتي باعه فيها كل حريات وحقوق الشعب الليبي في مقابل وضع نفسه نفطياً وعسكرياً وسياسياً في خدمة واشنطن وبروكسل .
والثاني، وهو مشتق من الأول، أنه سيكون على أبناء القائد، الذين يتكشّف الآن أنهم يسيطرون على كل شاردة وواردة اقتصادية وسياسية وأمنية في النظام، الاختيار بين الانتحار الجماعي عبر مواصلة هذه الحرب الخاسرة وربما استخدام أسلحة غير تقليدية ضد شعبهم، أو الهرب إلى ملاذ إفريقي آمن والتمتع بعشرات مليارات الدولارات التي تنتظرهم في العديد من “المخابئ” المصرفية الدولية .
الفرصة لاتزال سانحة في هذه اللحظات للهرب . لكنها بعد حين، ومع تواصل حرب الإبادة ضد الشعب الليبي، ستصبح من رابع المستحيلات . فالغرب، حتى لو أراد، لن يكون في وسعه القفز فوق المطالب العالمية بجلب أركان النظام إلى المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية .
ربما لاتزال طرابلس الرسمية تراهن حتى هذه اللحظات على تقسيم ليبيا إلى شرق وغرب، وحتى على تدخل عسكري دولي لفرض هذا التقسيم، ثم إجراء مفاوضات على هذا الأساس تحفظ لها شبكة مصالحها الاقتصادية غير الشرعية الضخمة، وتضمن بقاء رئيسها “قائداً رمزياً للثورة إلى الأبد”، كما ألمح ساعدي القذافي .
بيد أن هذا بات أشبه برهان على خيول لا وجود لها في سباق الخيل . فالمحافظات الغربية أكثر رفضاً لسلطة النظام من الشرقية، وهي قدّمت (ولا تزال) الشهيد تلو الشهيد لمهر هذا الرفض بختمها . وغداً، حين يبدأ الطوق الدولي بالالتفاف حول عنق النظام لمنعه من نهش لحم شعبه، سيخرج المواطنون مجدداً إلى شوارع كل مدن المنطقة الغربية للمطالبة بإسقاط النظام والاقتصاص منه .
وهذا الغد بدأ اليوم، كما تؤكد ذلك التحركات الكثيفة والسريعة في مجلس الأمن .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.