حياتنا – طبائع الاستبداد
اطربني معارض ليبي عندما قال على احدى القنوات رداً على تصريح اميركي بأن المنفى متاح امام القذافي فكان جوابه نأمل من واشنطن ان تعيرنا صمتها.. والكلام نفسه قاله مسؤولون ليبيون من قادة الثورة في بنغازي كرد على تصريحات الوزيرة هيلاري من أنها على اتصال مع المعارضين في ليبيا. فأهل بنغازي رفعوا يافطات عملاقة ضد التدخل الاجنبي ولعل التحركات العسكرية الاميركية في البحر المتوسط تدخل ضمن الجعجعة الاميركية لسلب الشعب الليبي ثورته واحتواء النظام الجديد ليبقى ضمن البوتقة الاميركية. فكلنا نعلم أن القذافي اعطى للاميركيين ولشركاتهم اغلبية النفط الليبي ووضع في بنوكهم 30 مليار دولار عدا الاستثمارات الاخرى ووضع المفاعل النووي الليبي في سفينة وشحنه الى الولايات المتحدة، وفعل الشيء نفسه مع دول اوروبا التي استثمر فيها ووضع الأموال فيها، ولهذا شعر بالصدمة من النكران الغربي له بعد الثورة الحالية، فالغرب له مصالحه ويريد الحفاظ عليها حاضرا ومستقبلا، ولا تهمه مصلحة الشعب الليبي الذي قهره القذافي طيلة عقود بشعارات زائفة وتجارب صبيانية في الحكم ووزع المال والاحتكارات والنفط والجيش على ابنائه. فالشعب الليبي ليس قاصرا حتى تتولى واشنطن فرض الوصاية عليه هي وفرنسا وبريطانيا. فهذه الدول بتدخلاتها في الثورات العربية انما تريد تمييع الثورات والاستحواذ عليها لمنع العصر العربي الجديد من الانبثاق، ولجم التحرر العربي الكامل من الهيمنة لأن التناقض بين الثورات والحكام هو نفسه التناقض بين الثورات والقوى الاستعمارية ذاتها.. ولا يجوز للثورات ان تركن الى حسن نوايا المستعمرين الغربيين لأنهم في النهاية لا يريدون خيرا للشعب العربي، بل يريدون الاستمرار في نهب ثرواته باحتواء ثوراته وتجييرها لصالحهم. فالمصداقية الاميركية تجاه الشعب العربي لم تعد قائمة منذ عقود والادارة الحالية هي الأسوأ تاريخيا في سجل الادارات الاميركية من حيث انصياعها للرغبات الاسرائيلية فاسقاط النظام العربي الفردي المتسلط المستبد يعني ضمنا اسقاط التبعية للدول الاستعمارية، فالوبال الذي ألم بالأمة ناتج عن هذه التبعية، ولهذا فان الثورات القائمة لم تحقق اهدافها بعد الا بالتحرر من نير التبعية التي تحاول الدول الغربية كلها ترقيعها والظهور بمظهر المساند للثورات وهي في الواقع تريد التهامها وخلق انظمة جديدة تؤدي الدور نفسه. فالحرية ليست في الخلاص من استبداد الحكم فقط وانما استبداد التبعية للقوى الاستعمارية فنحن نرى ان الغرب وخاصة الولايات المتحدة تقيس مواقفها من الثورات بمقياس المصالح الاسرائيلية فان توقعت استمرار المصالح على ما كانت عليه ابدت ارتياحها وان شكت في احتمال تغيير ما فانها تجتهد لاحتواء الثورة وربما اجهاضها قبل قيامها. لكن الأمر لا يتعلق الآن بأشخاص او حفنة ضباط وسياسيين فالثورات شعبية. والشعب قادر على الانتفاض اذا ما انحرفت الثورات عن مسارها.. فقد عرف الشعب العربي طريقه ولم يعد يسلم مصيره لقيادات حزبية او عسكرية تتلاعب في مقدراته وانما يريد تغييرا جذريا بهدف انهاء التبعية للاجنبي. وما دون ذلك يبقى انقلابات لا تقدم وانما تؤخر.
يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد «ان خوف المستبد من نقمة رعيته اكثر من خوفهم من بأسه لأن خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقه منهم وخوفهم ناشىء عن جهل، وخوفه عن عجز وخوفهم عن توهم التخاذل فقط، وخوفه على فقد حياته وسلطانه، وخوفهم على حياة تعيسة فقط، واكثر ما تختم حياة المستبد بالجنون التام. قلت التام لأن المستبد لا يخلو من الحمق واذا صادف وجود مستبد غير احمق فيسارعه الموت قهرا اذا لم يسارعه الجنون». صح لسانك يا كواكبي.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.