رامبو هو البطل شبه الاسطوري الذي قدمته سينما هوليوود في ستينات القرن الماضي ليكون أحد التجليات الاكثر حداثة للكاوبوي الامريكي الذي منح نفسه وساماً نادراً من عظام الهنود الحمر الذين استوطن الرجل الابيض أرضهم، وأبادهم, ورغم انتصار الفيتناميين في حربهم الخالدة ضد الولايات المتحدة بفضل الاصرار والبسالة ودور الميديا الفاضح لجرائم غزاتهم الا ان ظلال ذلك البطل بقيت تراوح على الشاشات، ولأن الغزاة ينكلون بضحاياهم اذا استطاعوا فقد سرق الرجل الابيض اسطورة الهندي الاحمر واطلق اسم طائر الرعد على سيارة امريكية فارهة، رغم ان هذا الطائر بالنسبة للضحية كان بشارة الخلاص، فهو يلوح في الافق عندما تأزف لحظة الانتصار.
وخلال الحروب الاستباقية التي بدأتها امريكا في افغانستان والعراق كان لا بد لرامبو ان يعود، لكن بصورة اخرى، احياناً من خلال المارينز واحيانا من خلال ضباط امريكيين نالوا أرفع الاوسمة عن الحرب ثم اتضح انهم لم يخوضوها ولم تطأ اقدامهم ارض افغانستان والعراق.
وما ان اعلن الرئيس الامريكي ان قوات خاصة من الجيش الامريكي اصطادت ابن لادن في باكستان حتى سارعت السينما الى اعادة انتاج رامبو، وتقديمه هذه المرة كبطل كوني خلص البشرية من الارهاب، المخرجة الحائزة على جائزة اوسكار كاترين بيغلو، وجدت بمصرع ابن لادن على هذا النحو الدراماتيكي مادة نموذجية لفلم امريكي طويل عن حياة ابن لادن والمصير الذي انتهى اليه، وهو ليس القتل فقط، بل اغراق جثته في ماء الخليج!
بالطبع سيكون هناك خلل طالما تكرر في رؤى صانعي هذا النمط من الافلام وهو غياب المعادل الموضوعي، حيث لا تكافؤ بين اقوى واغنى وأشرس دولة في العالم وبين رجال ونساء واطفال مطاردين في جبال آسيا وسهولها ومستنقعاتها..
وتصوير انتصار اوباما على الارهاب بالصيغة التي تداولتها الميديا الامريكية يوحي للعالم بأن الحرب العالمية الثالثة قد استغرقت اقل من ساعة واحدة، وانتهت بهزيمة الخصم الجديد البديل للاتحاد السوفيتي قبل ان يتحلل ويتفكك، وهذا بحد ذاته خلل جذري في التناول، لكن امريكا كما قال صاموئيل هاتنجتون صاحب اطروحة صراع الحضارات اصبحت بارعة في اختراع الاعداء، واحيانا في اختراع الابطال، كما علق كاتب في النيويورك تايمز بعد الاعلان عن مقتل اسامة بن لادن!
نعرف ان النهاية السعيدة امريكيا للحرب الباردة اشعرت الولايات المتحدة بالفراغ الذي كان لا بد من ان يملأ. ولكي لا تواصل واشنطن لعبة التنس بكرة الفولاذ بلا شبكة.
ويستطيع اي فرد عادي علاقته بالسينما لا تتجاوز التلقي والمشاهدة بحثا عن التسلية ان يتخيل فلما امريكيا كالذي تعده المخرجة كاترين بيغلو، فهو بالتأكيد سيضاعف من قدرات رامبو القديم وقد يحشو عقدا من الزمن في ثلاثة ارباع الساعة، كي يقول للعالم ان ما عجزت الدنيا بأسرها عن تحقيقه تحقق على يد الرجل الاسمر هذه المرة وليس على يد الرجل الابيض أو «الواسب»!
لقد سبق لفنانين ونقاد سينما ان افتحضوا منهج هوليوود الدعائي، واسلوبها في صناعة الابطال، لكن بعض هؤلاء دفعوا الثمن، ومنهم مارلون براندو الذي ازعج الدوائر الصهيونية فوزعت صوره بأنف يغطيه الصليب النازي المعقوف.. وهو الفنان الذي اعتذر عن قبول الاوسكار دفاعاً عما تبقى من شرف كما قال!!.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.