بقلم: د. نبيل العسومي
إنّ الإدارة الأمريكية لا تصنع ثورات وانتفاضات المنطقة كما يقال وإنما تستفيد منها أو تطورها بحسب مصالحها وقد تفتعلها في بعض الأحيان وتشجعها مثل الحالة البحرينية على سبيل المثال، فهذه الإدارة تدرك أنها ليست ثورة وإنما هي محاولة للانقلاب على الشرعية بالاستناد إلى التواطؤ مع الخارج الذي يعلن مطامحه صراحة ليلا ونهارا.
كما أن الإدارة الأمريكية تحاول استثمار ما يحدث، كما تحاول أطراف دولية وإقليمية عديدة، ومنها إيران التي تدفع بإمكانياتها الاستخباراتية والإعلامية والمالية كافة لنشر سلطتها في الساحة العربية عامة، والخليجية على وجه الخصوص، ومن أجل تحقيق مصالحها في منطقة استراتيجية الموقع، غنية بالثروات، منطقة هي الآن محور الاهتمام الدولي وفيها الوجود الإسرائيلي وامتدادات نفوذه وتأثيراته الدولية حتّى في صُنّاع القرار في «البيت الأبيض». وكما كان التأثير الإسرائيلي كبيراً في مواقف إدارة بوش تجاه العراق والسودان، ستعمل إسرائيل أيضاً على تحويل الثورات الشعبية العربية إلى مناطق حروب أهلية وعلى دفع المنطقة كلّها لحال التدويل، إنْ أمكنها ذلك.
لقد كان المشروع الأمريكي للمنطقة خلال فترة حكم «المحافظين الجدد» يقوم على فرض حروب و«فوضى خلاقة» و«شرق أوسط جديد»، وعلى الدعوة إلى ديمقراطيات «فيدرالية» تُقسّم الوطن الواحد ثم تعيد تركيبته على شكل «فيدرالي» يحفظ حال التقسيم والضعف للوطن ويضمن استمرار الهيمنة والسيطرة على ثرواته ومقدّراته وقراراته، وكانت نماذج هذا المشروع في العراق وفي السودان معاً.
ولقد استفادت إدارة أوباما الديمقراطية من دروس تجربة إدارة بوش وإخفاقاتها وخطاياها، خاصّةً لجهة استخدام الإدارة السابقة للقوة العسكرية الأمريكية من أجل إحداث تحوّلات سياسية في الشرق الأوسط أو لتغيير أنظمة، كما حدث في أفغانستان وفي العراق. وهي «استفادة اوباما» بالاضطرار وليس بالاختيار، فأمريكا لا تستطيع الآن الدخول في حروبٍ جديدة بل هي تحاول الخروج من حروبها في العراق وأفغانستان. وقد عبّر وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت جيتس عن هذا التوجّه الأمريكي الجديد حينما قال «إنّ أي وزير دفاع أمريكي يأتي بعده عليه أن يفحص عقله قبل الإقدام على إدخال أمريكا في حرب جديدة في الشرق الأوسط أو آسيا».
ومن المهمّ في هذا السياق التوقّف عند ما نشرته الصحافة الأمريكية مؤخرا وكشفت فيه عن وجود «تقرير سري» طلب الرئيس أوباما إعداده في شهر أغسطس الماضي عن أوجه الاضطراب في العالم العربي، حيث خلص التقرير إلى أنّه «من دون إجراء تغييرات سياسية كاسحة، فإن الأوضاع في بلدان عربية عدة تسير نحو ثورات شعبية كبيرة». وكانت مصر أبرز هذه البلدان المحتمل تفجّر الأوضاع فيها.
وقد حثّ التقرير على «إعداد اقتراحات حول كيفية تعامل الإدارة مع هذه التغيرات السياسية المحتملة ضدَّ حكّام المنطقة العربية – كما يقول التقرير- هم أيضاً حلفاء مهمّون لأمريكا». وطالب التقرير أيضاً بدراسة «كيفية الموازنة بين المصالح الاستراتيجية الأمريكية والرغبة في تجنّب فوضى واسعة وبين المطالب الديمقراطية لشعوب هذه البلدان».
واليوم نجد إدارة أمريكية تعمل على تحقيق المصالح الأمريكية من خلال دعوة الحكومات العربية والضغط عليها لتحقيق إصلاحات دستورية واقتصادية تحفظ استمراريتها وتضمن أيضاً في هذه البلدان بقاء المصالح الأمريكية، أو حتى نصحها بالرحيل مثلما هو الأمر في اليمن وليبيا، أو نصحها بالسماح بالفوضى الخلاقة المفتوحة على المجهول، إذ لا يهمّ الإدارة الأمريكية إلا المصالح الأمريكية، فهي قد تكون مع تغيير أشخاص وحكومات في بلدٍ ما ولا تكون كذلك في بلدان أخرى. الأمر يتوقّف طبعاً على «ظروف» هذا البلد ونوع العلاقة الأمريكية مع المؤسسات القائمة فيه بما فيها المؤسسة العسكرية، لكن الاعتبار الأمريكي الأهم هو «نوع» البدائل الممكنة لهذا النظام أو ذاك
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.