President Obama and the American Dilemma in the Middle East

 .
Posted on July 19, 2011.

<--

لرئيس أوباما والمأزق الأمريكي في الشرق الأوسط

بقلم: د. جيمس زغبي

قبل بضعة أشهر من الآن سنحت لي الفرصة كي أتبادل الرأي، وإن على عجل، مع الرئيس باراك أوباما حول مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي. عندما ذكرت أننا سنجري استطلاعا للرأي لمعرفة مواقف وانطباعات العرب بعد مرور سنتين على خطاب جامعة القاهرة في يونيو 2009، قال لي الرئيس أوباما إنه يتوقع أن تكون نسبة المواقف والانطباعات الايجابية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية متدنية وأن تظل على هذه الحال حتى تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في المساعدة على تسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.

لقد جاءت النتائج لتصب فعلا في هذا الاتجاه وأثبت الرئيس باراك أوباما أنه قد أصاب في توقعاته. لقد أجرينا استطلاعا للرأي شمل أربعة آلاف شخص من ست دول عربية (المغرب، مصر، لبنان، الأردن، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة) وقد أظهرت النتائج التي حصلنا عليها أن نسبة المواقف الايجابية من الولايات المتحدة الأمريكية قد سجلت انخفاضا حادا منذ آخر استطلاع للرأي أجريناه سنة 2009، أي بعد أن أمضى الرئيس باراك أوباما 100 في البيت الأبيض الأمريكي.

في تلك الفترة كان العرب يعلقون آمالا كبيرة على الرئيس باراك أوباما كي يحدث التغيير اللازم في العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي، خاصة ان الخطوات الأولى التي خطتها الادارة الديمقراطية الجديدة قد عززت فعلا هذا الانطباع.

نتيجة ذلك ازدادت شعبية الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن لامست الحضيض في ظل إدارة الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش، لكن موقف الشريحة التي شملها استطلاع الرأي لهذه السنة من العرب أظهر أن التوقعات لم تتحقق حتى الآن كما أن شعبية الولايات المتحدة الأمريكية في أغلب الدول العربية قد اصبحت الآن أقل من المستوى الذي كانت عليه سنة 2008، أي في السنة الأخيرة لفترة جورج بوش الرئاسية الثانية، ففي المغرب على سبيل المثال، ارتفعت شعبية الولايات المتحدة الأمريكية من 26% سنة 2008 إلى 55% سنة 2009 غير أنها لا تتجاوز اليوم نسبة 12%. تتكرر هذه الصورة نفسها تقريبا في مصر حيث ان شعبية الولايات المتحدة الأمريكية قد ارتفعت من 9% سنة 2008 لتبلغ 30% سنة 2009 قبل أن تنخفض انخفاضا حادا وتستقر عند نسبة 5% فقط هذه السنة.

إن مراجعة بقية النتائج التي أفرزها استطلاع الرأي تظهر أن أغلب العرب يعتبرون أن استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية يمثل، في الوقت نفسه، «عقبة كأداء أمام السلام والاستقرار في الشرق الأوسط» و«أهم مسألة يتعين أن تتصدى لها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحسين علاقاتها بالعالم العربي».

تظل القضية الفلسطينية تطغى على كل القضايا الأخرى المطروحة في استطلاع الرأي، الأمر الذي يدحض أضغاث أحلام بعض المحللين المختصين في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، الذين يتصورون أن العرب، في خضم «الربيع العربي»، سيشعرون بأن «الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين سيفقد أهميته المركزية» (انظر مقال بييشور المنشور في صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية بتاريخ 14 يوليو 2011).

تعتبر شريحة العرب التي شملها استطلاع الرأي أن «التدخلات الأمريكية في العالم العربي» تمثل «ثاني أكبر عقبة كأداء أمام تحقيق السلام والاستقرار» وهذا ما يفسر الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية في فرض منطقة حظر الطيران في ليبيا. لا ينظر إلى هذه الخطوة بشكل إيجابي في أغلب الدول العربية كما أنها لا تعتبر الخطوة المهمة التي قد تسهم في تحسين النظرة الايجابية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي.

لقد عرضت دول عدة، مثل تركيا وإيران وفرنسا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، على العرب الذين شملهم الاستطلاع بغية معرفة إذا ما كانت أي من هذه الدول تلعب دورا بناء «في تعزيز السلام والاستقرار في العالم العربي». لقد عبر ثمانية من كل عشرة من المواطنين العرب الذين شملهم استطلاع الرأي عن موقف سلبي من الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية كادت أن تتذيل القائمة حيث انها جاءت بعد فرنسا وتركيا والصين، بل إنها جاءت بعد إيران في أربع من الدول العربية الست التي شملها استطلاع الرأي.

قد تكون جميع هذه النتائج من الأمور المتوقعة، وهو ما أدركه الرئيس باراك أوباما نفسه. إن هذه المواقف مهمة وجاءت في وقتها لأنها تبعث بإشارة قوية إلى كل الأمريكيين كما أنها تمثل إشارة قوية إلى بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي، لعلهم يستفيقون ويكفون عن غيهم.

على سبيل المثال لا الحصر، عندما وجه الكونجرس الأمريكي الدعوة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي لإلقاء خطاب تحدى فيه الرئيس الأمريكي وكال له الشتائم، وقد قوبل كزعيم أجنبي بعواصف من التصفيق الحاد الذي ضجت به قاعة الكونجرس، فإنهم إنما بعثوا برسالة قوية إلى العرب مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها ولن تستطيع الاضطلاع بدور بناء في عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط.

وعندما يمعن أعضاء الكونجرس الأمريكي ويستمرون في تقويض الجهود الدبلوماسية ولا يتوانون عن دعم مشاريع القوانين التي تقطع المساعدات اللازمة عن الفلسطينيين ولبنان ومصر، فإنهم إنما يبعثون برسالة خاطئة في الوقت الخاطئ.

وعندما يواصل المحافظون الجدد الدعوة إلى انتهاج سياسة خارجية مفتولة العضلات في منطقة الشرق الأوسط ودفع البيت الأبيض إلى استخدام القوة أو إلى فرض مطالب أخرى على مختلف الأطراف العربية الأخرى فإنهم إنما يتعمدون البعد عن واقع منطقة الشرق الأوسط كما أنهم يخوضون في أرض وعرة خطرة.

إن الرئيس باراك أوباما جدير بكل إشادة لأنه يفهم جيدا الإشكالية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية عبر العالم العربي. لقد استهل فترته الرئاسية بالتعبير عن النيات الصحيحة وإرسال إشارات قوية أبدى فيها عزمه على السير في الاتجاه الصحيح.

لكن – ومثلما أسلفت القول – لم يحصل باراك أوباما على العصا السحرية يوم تنصيبه رئيسا رسميا للولايات المتحدة الأمريكية، بل إنه على العكس من ذلك تسلم من سلفه جورج بوش المعول الذي ظل يستخدمه في إحداث حفر عميقة عبر منطقة الشرق الأوسط ولقد اتضح أن الخروج من الحفر التي خلفها جورج بوش وراءه أصعب مما كان المرء منا يتصور، فقد وجد الرئيس أوباما منذ دخوله البيت الأبيض بنفسه يواجه أسوأ أزمة اقتصادية داخلية على مدى أجيال، وفوق ذلك كله كان لزاما عليه التعاطي مع حربين فاشلتين، ومواجهة رئيس وزراء إسرائيلي مراوغ وعنيد، وطبقة سياسية فلسطينية منقسمة على نفسها أشد الانقسام وعالم منهك يعلق آماله (بل ربما تحدوه آمال مفرطة) ويتوقع من سيد البيت الأبيض أن يفي بالتغيير الذي وعد به. لم يقف الأمر عند ذلك الحد، ذلك أن الرئيس باراك اوباما قد واجه منذ يومه الأول حالة استقطاب حزبية حادة في واشنطون، حيث ان الجبهة الجمهورية الموحدة والمعارضة ظلت تتصرف كأنها تتعمد رؤية الرئيس أوباما وهو يحصد الخيبة والفشل.

لقد جاءت النتائج التي أفرزها الاستطلاع الأخير للرأي العام العربي ليظهر مدى هشاشة الموقف الحالي للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. أبرزت هذه النتائج أيضا ضرورة أن يولي صناع القرار الأمريكي الأهمية اللازمة لما يقوله العرب لنا.

قد يكون البعض يتلهى بممارسة السياسة في تعاطيه مع قضايا حساسة تخص منطقة الشرق الأوسط وهو ينتشي بنجاحه في إجهاض الجهود التي يبذلها الرئيس باراك أوباما لتحقيق السلام ورد الاعتبار لصورة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لكن – ومثلما تظهر لنا نتائج استطلاع الرأي – فإن هذا النجاح قد تحقق بثمن باهظ تدفعه الولايات المتحدة الأمريكية اليوم كلها.

* رئيس المعهد العربي الأمريكي

About this publication