نظريا، اذا لم يتفق الرئيس اوباما والكونغرس على رفع سقف المديونية العامة قبل موعد الثاني من آب القادم فان ذلك يعني ان الولايات المتحدة ستتخلف عن دفع مستحقات ديونها، اي فوضى مالية عارمة واضطرار الاحتياطي الفيدرالي الى اتخاذ اجراءات احترازية لانقاذ الدولار واسواق المال. في اميركا ليس غريبا ان يختلف المشرعون مع الحكومة، على مستوى الدولة والولاية معا، على بنود الموازنة فتقفل الحكومة الفيدرالية ابوابها تماما حتى يتفق الطرفان. حدث ذلك في السابق مرارا ومؤخرا اغلقت حكومة مينيسوتا ابوابها في وجه مواطنيها.
امام عجز غير مسبوق في المديونية القومية، يقدر بـ”14″ تريليون دولار، وعجز آخر في الموازنة الفيدرالية يتجاوز 1.4 تريليون دولار، تتجه الحكومة الى حلين، احلاهما مر: اغراق السوق بالدولارات الرخيصة واصدار اذونات خزينة اضافية، اي مزيد من المديونية. اما بخصوص الموازنة العامة، فالجمهوريون، الذين يسيطرون على مجلس النواب، يضغطون على الرئيس اوباما لتخفيض الانفاق الفيدرالي في الوقت الذي يرى فيه الديمقراطيون ان اي تخفيض في النفقات من شأنه ان يضر بالاقتصاد الذي يظهر مؤشرات تباطؤ تنذر بعودة الركود ويطالبون بزيادة الضرائب.
مشكلة اميركا ليست جديدة وترتبط اساسا بكونها الاقتصاد الرأسمالي الاكبر في العالم، واعتماد الاقتصادات الجديدة كالصين والهند عليها كسوق مفتوح وهيمنة الدولار كعملة تداول لقطاعات استراتيجية كالنفط والمواد الاولية الاخرى والغذاء وغيرها. وفي الوقت الذي تكافح فيه مجموعة دول اليورو وعلى رأسها المانيا لانقاذ اليونان وايطاليا واسبانيا وايرلندة والبرتغال من الافلاس، تتأرجح قوة الدولار رغم مشاكل المديونية الاميركية.
ما الذي يضيرنا اذا افلست اميركا؟ سؤال خطير لأن الجواب يقول ان انهيار اميركا المالي سيجر بلاد العالم الى نكبات اقتصادية لم نشهد مثلها من قبل. الصين وحدها تحمل اذونات خزينة اميركية تقدر بتريليون دولار، والبنوك الصينية، وحكومات الخليج النفطية، لديها فائض من الدولار يقدر ببلايين الدولارات. النتيجة هي فوضى عارمة تضرب الاسواق العالمية واقتصاد البلدان النامية وتنذر بكساد عالمي وازمات سياسية واجتماعية لا تحمد عقباها.
الاحتمال الأكبر هو ان ينجح الرئيس اوباما والكونغرس في تجاوز الأزمة المرحلية وتجنب الافلاس. لكن الحل الآني يكمن في المزيد من المديونية والاقتراض من الغير وطبع بلايين الدولارات. هذا تأجيل للمحتوم وافتراض ساذج بان اميركا ستجد علاجا لمديونيتها المتراكمة وستنجح في انعاش اقتصادها واصلاح نظامها المالي الذي يعاني من الفساد وسوء استخدام السلطة وسيطرة نخبة تقل عن واحد بالمئة من السكان على اكثر من تسعين بالمئة من مصادر الثروة.
لن يستفيد احد من افلاس اميركا في الوقت الراهن، الا دعاة الفوضى العارمة والتطرف المجنون. في ذات الوقت لا يبدو ان اميركا قد وجدت حلا طويل الأمد لمشاكلها البنيوية التي تهدد سلامة نظامها المالي واستقرارها السياسي. الحقيقة هي أن اميركا بدأت مسيرة قد تطول او تقصر نحو الانهيار كدولة عظمى. حدث ذلك لامبراطوريات كبرى في الماضي، وفي غضون سنوات سيعيد العالم تشكيل نفسه اقتصاديا وسياسيا لتظهر قوى جديدة على الساحة. بالطبع العرب هم دائما خارج الحسابات!.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.