The Palestinian Spring Begins in New York

<--

يحقُّ للولايات المتحدة (ولبعض دول الاتحاد الأوروبي) أنْ تَقْلَق وتتخوَّف من العواقب المتوقَّعة, وغير المتوقَّعة, لذهاب الفلسطينيين, في الثُّلْث الأخير من أيلول الجاري, إلى الأمم المتحدة (وإلى جمعيتها العمومية بدايةً) للحصول منها على الاعتراف (الدولي) بدولةٍ لهم, يشمل إقليمها كل أراضيهم التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967 ، ولقبول هذه الدولة, من ثمَّ, عضواً كامل العضوية في المنظمة الدولية; فإنَّ شَحْن “الربيع العربي” بمزيدٍ من طاقة العداء (الشعبي العربي) لسياستها, التي قوامها الانحياز الأعمى والدائم للعدو القومي الأوَّل للفلسطينيين والعرب, هو العاقبة الأولى التي ستترتب على سعيها إلى إحباط هذا السعي الفلسطيني (والعربي) الجديد.

ولو كان لدى إدارة الرئيس أوباما من الجرأة السياسية ما يكفي للنطق بالحقيقة لقالت, ولو تلميحاً, إنَّ نتنياهو (وحكومته) هو السبب هذه المرَّة أيضاً; فهو الذي أحبط, من قبل, كل مساعيها لحلٍّ نهائي من طريق المفاوضات بأشكالها المختلفة, فاستبدَّ بالفلسطينيين يأسٌ من “الحل من طريق التفاوض”, ومن “الشريك” و”الوسيط”; ولقد كمن هذا اليأس في بعضٍ من أهم الدوافع التي دفعتهم إلى الذهاب إلى نيويورك.

وها هو نتنياهو يوشك أنْ يرفع منسوب العداء الشعبي العربي, وفي زمن عربي مختلف, للولايات المتحدة, من خلال نجاحه, على ما يبدو, في دَفْع إدارة الرئيس أوباما إلى أنْ تبذل جهوداً ومساعي لإحباط المسعى الفلسطيني (والعربي) في الأمم المتحدة.

وأحسبُ أنَّ أهم شيء يمكن ويجب أنْ يفعله الفلسطينيون والعرب الآن, أي حتى بدء الثُّلْث الأخير من أيلول الجاري, هو رفض كل اقتراح تتقدَّم به الولايات المتحدة (أو غيرها) لاستئناف التفاوض السياسي بين حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية; فاعتراف الأمم المتحدة (من خلال جمعيتها العمومية أوَّلاً) بدولة فلسطينية يشمل إقليمها كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967 ، مع قبولها عضواً كامل العضوية في المنظمة الدولية, هو وحده المهمَّة التي ينبغي للفلسطينيين والعرب إنجازها الآن; وبعد ذلك فحسب, يصبح ممكناً وجائزاً أنْ تتقدَّم الولايات المتحدة (أو غيرها) باقتراح لبدء مفاوضات جديدة, أي بين “دولتين”, توصُّلاً إلى حلٍّ نهائي للنزاع.

الولايات المتحدة (ومعها إسرائيل وبعض الدول الأوروبية) لن تنجح في إحباط المسعى الفلسطيني والعربي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة; فغالبية الأعضاء تقف مع هذا المسعى وتؤيِّده; لكنَّها يمكن أنْ “تنجح” فحسب في أنْ تُظْهِر للشعوب العربية (الجديدة) وتؤكِّد لها أنَّها ما زالت (وستبقى على ما يبدو) الحليف والحامي الدولي الأوَّل لعدوِّهم القومي الأوَّل.

وهذا “النجاح”, الذي يشبه “نجاح” المرء في أنْ يكون عدوَّا لنفسه ولمصالحه, يمكن أنْ تُعزِّزه الولايات المتحدة, وتَسْتَكْمِله, بعد “الفوز الفلسطيني”, في الأمم المتحدة, من خلال مساعٍ تبذلها, مع بعض حلفائها, لإقامة الدليل على أنَّ الفلسطينيين كانوا قوماً من الأغبياء إذ سعوا إلى دولة لهم من طريق الأمم المتحدة, وليس من طريق التفاوض مع إسرائيل; فـ “الحليفان الإستراتيجيان (ضدَّ الحقِّ القومي الفلسطيني)” ما زالا مستمسكين بفكرة مؤدَّاها أنَّ الدولة الفلسطينية يجب ألاَّ تقوم إلاَّ من طريق التفاوض بين الفلسطينيين وإسرائيل; لأنَّ ثمَّة “ثَمَناً كبيراً” ينبغي للمفاوِض الفلسطيني أنْ يَدْفعه لإسرائيل في مقابل حصول الفلسطينيين على دولة, أو إذا ما أراد الفلسطينيون أنْ تكون لهم دولة; وغنيٌّ عن البيان أنَّ حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بما يرضي إسرائيل هو الجزء الأعظم من هذا الثمن; وتَفْهَم حكومة نتنياهو سعي الفلسطينيين والعرب إلى اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية على أنَّه جزءٌ من كُلٍّ, هو السعي (الفلسطيني والعربي) لخفض ذلك “الثمن” كثيراً, أو للحصول على “الدولة” مجَّاناً.

إنَّ اليهود في فلسطين, مع اليهود الذين قَدِموا إلى فلسطين, لم يحصلوا على دولة لهم في فلسطين, هي الدولة المنصوص عليها في قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 181 ، من خلال التفاوض مع الفلسطينيين (أو العرب) حتى يحقُّ للولايات المتحدة أنْ تدعو, وأنْ تظل تدعو, الفلسطينيين إلى الحصول على دولة لهم من خلال التفاوض مع إسرائيل; وهذا الموقف للولايات المتحدة يَفْقِد البقية الباقية من منطقه السياسي والقانوني والأخلاقي, إذا ما كان له مثل هذا المنطق, مع ثبوت وتأكُّد أنَّ إسرائيل (مع الولايات المتحدة المستخذية لمشيئتها وضغوطها) قد أحبطت, في استمرار, سعي الفلسطينيين إلى الحصول على دولة لهم من طريق التفاوض السياسي (بأشكاله المختلفة) مع الدولة العبرية.

jawad.bashiti@alarabalyawm.net

0

v

About this publication