البنتاغون … تقليص الميزانية الدفاعية وتوسيع دور الناتو
شؤون سياسية
الأربعاء 18-1-2012
محمد البطل
في مؤتمر صحفي حضره إلى جانب الرئيس الأميركي باراك أوباما، وزير دفاعه ليون بانيتا، وعدد من قادة صنوف الأسلحة، أعلن أوباما عن تقليص غير مسبوق في الميزانية الدفاعية الأميركية،
تتأقلم مع زمن التقشف ومرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق. مؤكداً في الوقت نفسه نقل التركيز الأمريكي من العمليات البرية، إلى العمليات البحرية والجوية، ومشدداً على الأهمية القصوى للتعاون مع حلف شمال الأطلسي.
وأضاف أوباما أن هذا الإعلان يأتي بعد نقاش ومراجعة في الهيئات والمؤسسات المختصة استمرت تسعة شهور، توصل بموجبه إلى تقليص ميزانية الدفاع بـ 480 مليار دولار أميركي خلال السنوات العشر القادمة. وأن هذا التقليص سيشمل ما بين 10 إلى 15 بالمئة من القوات البرية لصالح استثمارات في القطاعات البحرية والجوية والصاروخية.
ورغم أن هذا التخفيض ستقرره الميزانية الفيدرالية الأميركية للعام القادم، فقد أكد أوباما، أنه سيكون لدى الولايات المتحدة الأميركية: (جيش أصغر حجماً، لكن على العالم أن يعرف أن الولايات المتحدة ستحافظ على تفوقها العسكري بقوات مسلحة رشيقة ومرنة، ومستعدة لنطاق كامل من الطوارئ والتهديدات). وأعلنت عن تخفيض نحو 3 إلى 4 آلاف جندي !!، من القوات البرية الأمريكية المنتشرة في أوروبا، لأنه لم يعد هناك قلق من اجتياح روسي لأوروبا. في الوقت الذي دعا فيه إلى أن: (عمل الجيش لا يمكن أن يكون وحده، أو الولايات المتحدة وحدها، بل يتطلب كل عناصر قوتنا القومية والعمل معاً بالتنسيق مع الحلفاء والشركاء.. إن تركيز الميزانية الدفاعية سيكون على الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والهيمنة في مجال الإنترنت، ومكافحة أسلحة الدمار الشامل والاستثمار في التكنولوجيا لمكافحة الإرهاب وفي صواريخ بعيدة المدى لمواجهة تنامي قوة الصين العسكرية).
ولم يغفل أوباما ضرورة التركيز على منطقة المحيط الهادي والشرق الأوسط إذ سبق له، أن أكد خلال زيارته الآسيوية الأخيرة، قبيل قمة “آبيك” بدعوة العديد من هذه البلدان إلى تعزيز العلاقات العسكرية (في محطته الأوسترالية) وزيادة الوجود العسكري الأميركي في أوستراليا تدريجياً، وإلى ضرورة التعاون مع أندونيسيا في مجال مكافحة الإرهاب، مؤكداً ضرورة تعزيز الوجود العسكري الأميركي في آسيا والمحيط الهادي لمواجهة تنامي القدرات العسكرية الصينية. (يعد الجيش الأميركي من أكبر الجيوش العاملة خارج أراضيها).
كما لم يتجاهل أوباما ضرورة رفع مستوى التنسيق مع حلفائه الأطلسيين، من خلال مناورات مشتركة ومهام استشارية، في أمريكا اللاتينية وأفريقيا لتعويض التقليص في الحضور الأمريكي العسكري – المباشر. وتعميم هذا النمط من التعاون مع الأصدقاء والحلفاء الآخرين في المناطق الضرورية لذلك.
ووصف وزير الدفاع بانيتا هذا التقليص، وهذه المهمات الجديدة بأنها: «تحول تاريخي إلى المستقبل»، مشيراً إلى أن هذه المراجعة استندت إلى أربع دعائم هي: الحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي، إنشاء قوة عسكرية صغيرة مجهزة جيداً، أفضل بكثير من قوة أكبر غير مستعدة، تقليص شامل في العديد من القطاعات، الحفاظ على التطوع في الجيش الأميركي. وأن هذه الدعائم تمكن من مواجهة حرب برية في كوريا، ومواجهة تهديدات في مضيق هرمز في الوقت نفسه. فيما رأى رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي مارتين ديمبسي أن (الاتجاهات الديمغرافية والجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية تتحول نحو المحيط الهادي.. لم يقل أحد أننا لن نخوض حروباً برية).
إذاً مراجعة تسعة شهور تلخصت عملياً في تحديد المناطق الهامة والاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة أولاً، وحددت حجم التقليص في القطاعات العسكرية البرية لصالح قطاعات عسكرية أخرى، تمثل خسارات بشرية أقل ثانياً، والتركيز على تعزيز التعاون مع الحلفاء وتطوير أدائهم ودورهم العسكري ثالثاً.
أي زيادة دور الآخرين المباشر، وتقليص التدخل الأميركي العسكري المباشر، وخاصة البري، ما أمكن ذلك (وقدم أوباما المثال الليبي نموذجاً لتدخل حلف شمال الأطلسي، والمساعدة العسكرية والتقنية الأميركية في الوقت نفسه).
وهي بمجموعها عناصر تأخذ بالحسبان الأزمة المالية الأميركية، وكيفية معالجتها بتقليص النفقات في قطاعات عديدة من جهة، والحفاظ في الوقت نفسه على «استدامة القيادة الأميركية العالمية» من جهة ثانية. كما تأخذ بالحسبان أيضاً دور الحلفاء الإقليميين في المناطق التي تصنفها واشنطن بأنها مناطق ساخنة.
وتؤكد عملياً محاولة استمرار الإمساك بالقيادة الأميركية وزيادة مشاركة وأدوار الآخرين وتحميلهم تبعات الأزمات القائمة، أو “القادمة”، وتخفيض الاعتماد المباشر، ما لم يكن هذا ضرورياً للغاية في التعاطي مع إشكاليات عالمنا الإقليمية والدولية، والتي أوجزتها خطة التقليص بأنها تشمل العالم بأسره!!.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.