مَعَ أنّ القانون في الولايات المتحدة الأمريكية يمنع التمييز, والتحيز لعوامل اللون والعِرْق والجنس والعمر والدين, بين المواطنين; فإنّ التطبيقَ العمليّ يختلف عن النصوص القانونية في كثير من الحالات المتعلقة بالعرب المسيحيين والمسلمين الأمريكان. وكثيرًا ما يكون التحيز خفيّا وراء ستار الادّعاء; حيث يصعب الإثبات قانونيا. هذه بعض الأمثلة:
في كانون الأول الماضي, وجّهت اللجنة العربية الأمريكية ضد التمييز العنصري (ADC) نداء إلى جميع الأعضاء, تعلمهم فيه أن فئة يمينية تمكنت من الضغط على شركة لمواد البناء كي تسحبَ إعلاناتها في برنامَج تلفزيونيّ عن حياة المسلمين في مدينة ديربورن بولاية ميشغان; حيث تقيم أكبر جالية عربية في الولايات المتحدة. سحْبُ الإعلانات هذا كان يعني نهاية البرنامَج الذي يمثل الحياة العادية للمواطنين المسلمين بصدق وأمانة. والحقّ أنّ العرب وغير العرب من المواطنين قاموا بحملة استنكار واحتجاج واسعة, وتظاهر الكثيرون أمام مكاتب الشركة, التي سحبت إعلاناتها استجابة لقلة من الأشخاص المدفوعين بالحقد والكراهية.
وهنالك حالات كثيرة من التحيز والعداوة ضد أشخاص ومؤسسات عربية وإسلامية. فقد أشعلت النيران في مسجد بنيويورك وفيه 80 مصلّيًا. ومَعَ أنه لم يصب أحدهم بأذى, إلا أنّ الآثار النفسية والأمنية كانت جسيمة. وهنالك قائد الطائرة الذي رفض الإقلاع من المطار ما دام على متن طائرته رجال بزي اسلامي, أحدهم إمام. عدا حالات التفتيش المفرط للقادمين والمغادرين من العرب والمسلمين, فقط لأنهم يظهرون بشكل “مختلِف”.
والمهم في الأمر أن تيار التمييز والتحيز والكراهية ضد العرب والمسلمين يُغذّيه وينمّيه تصريحات رجال السياسة وتصرفاتهم من كلا الحزبيْن الجمهوري والديمقراطي, الذين يستغلون اعتداء 11 ايلول 2001 في نيويورك ليخلقوا شبهات حول كل عربي أو مسلم. والجو السياسي الحالي, ما قبل الانتخابات الرئاسية, أعطى فرصة لبعض هؤلاء السياسيين ليُظهروا جهلاً وغباء إزاء الوطن العربي وتاريخه وحضارته وقضاياه الأساسية.
لقد وصل الغباء بأحدهم, وهو مرشح جمهوري للرئاسة وعضو سابق في الكونغرس (نيوت غنغريتش Newt Gingrich), أن قال: إنّ الفلسطينيين هم “ابتكار” جديد من دون حقيقة تاريخية, وإن الفلسطينيين ما هم إلا “إرهابيون”. لقد صعقنا لمثل هذه الآراء من رجل يسعى ليصبح رئيس جمهورية. وفي البداية, اعتقدنا أنه جاهل وبليد, لا يفهم التاريخ ويجب تثقيفه. لكنْ, فيما بعد, تبين أن الأمر أكثر من الجهل والغباء. فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز (في عدد 10 كانون الثاني/يناير) مقالا مطولا تحت عنوان “الشيك الضخم”, بينت فيه أن صداقة حميمة وعميقة تربط غنغريتش بشخصيْن آخريْن اشتُهر كلّ منهما بآراء مشابهة ومتطرفة: الأول مموّل ثريّ أمريكيّ وملياردير يهوديّ ذو مصالح استثمارية في اسرائيل, واسمه شيلدون أديلسون(Sheldon Adelson); والثاني هو بنجامين نتنياهو, رئيس وزراء اسرائيل. وقيمة آخر شيك من أديلسون تبرّعا لحملة غنغريتش الانتخابية كانت فقط خمسة ملايين دولار! لذلك, فالأقوال الغبية من غنغريتش ما هي إلا ردّ الديون إلى من يسيّروه ويوجّهوه في سياسته الخارجية.
الأمثلة متعدّدة على أعمال وتصريحات معادية للعرب المسلمين والمسيحيين في الولايات المتحدة. والسؤال هنا: هل يمكن تغيير هذا الجو? أو ما الذي يمكن عمله لإحداث التغيير المنشود?
من دون شك أن ضعف الإعلام العربي وعدم توافر مصدر كفؤ وقادر على الرد يزيد “الطين بِلة”, كما يقال. صحيح أنه يوجد منظمات عربية وإسلامية عدة, خاصة (ADC) ومجلس العَلاقات الأمريكية-الإسلامية (CAIR), وغيرهما; إلا أن الانشطة والأسلوب والكفاءة تتفاوت بين هذه المؤسسات. كما أنّ الإعلام العربيّ الرسميّ, أي ما تمثله السفارات العربية, محدود جدّا وآثاره مقصورة على مصالحَ ضيقة تتعلق بكل دولة. لذلك, فإن عدم التنسيق, إضافة إلى شُحّ الموارد والدعم, أضعف التأثير الإعلامي العربي في الولايات المتحدة.
وأخيرا, لا يمكن أن نقلل من قوة نفوذ اليمين الإسرائيليّ المتطرف المدعوم بأقوى “لوبي” على الساحة الأمريكية, الذي يسعى دوْمًا إلى تغذية العداء وتشويه الحقائق وبث الافتراءات التاريخية ضد العرب والمسلمين; الأمر الذي يجد تجاوبا من عناصرَ مماثلة في المجتمع الأمريكيّ.
إذًا, فإنّ الحيادَ مفقود والمغالطات مستمرة; إلى أن يتمكن الوطن العربي من الرّدّ الحاسم والكفؤ على المغالطات والافتراءات التي تشوه كلّ ما هو عربيّ أو إسلاميّ في الغرب إجمالاً.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.