السيد الرئيس.. والصديق العزيز باراك أوباما
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
تحية واحتراماً
سعدت أيما سعادة بزيارة الصديق مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكي والوفد المرافق له لبلادنا.. ومن المؤكد أنه سوف يبلغكم بما دار في المباحثات العميقة والصريحة التي أجريناها بهدف احتواء الموقف المتأزم بين دولتينا الصديقتين بسبب مشكلة المنظمات الأمريكية التي تعمل علي أرضنا بدون ترخيص والأموال الأمريكية التي تدفع إلي أشخاص معينين بهدف التأثير السياسي علي مواطنينا.. ومع ذلك فانني قد وجدت لزاماً علي أن أبعث لكم بهذه الرسالة رغبة في توضيح أي غموض أو لبس يراه البعض في موقفنا حرصا علي استمرار علاقات الصداقة بين بلدينا وشعبينا.
تعلمون جيداً يا سيادة الرئيس.. ويعلم الأصدقاء في الكونجرس أن مصر تغيرت تماما بعد ثورة 25 يناير المجيدة.. فقد أدرك الشعب أنه يمتلك زمام ارادته.. وانه وحده صاحب الكلمة الأولي والأخيرة في وطنه مثل كل الشعوب التي تتمتع بالاستقلال والعزة والكرامة.. ومن ثم فقد كان من الواجب علي الجهات التي تشرف وتمول هذه المنظمات المثيرة للجدل أن تستوعب الرسائل العديدة التي صدرت من بلادنا بهذا الشأن.. وأن تدرك جيداً أن زمن مبارك انتهي تماماً.. ومن المستحيل إعادة انتاج المباركية في شكل آخر.. أو إلباسها ثوباً آخر.
لقد انتهي الأمر جدياً.. والشعب المصري لن يقبل أن يفرض عليه أية أوضاع لا يقبلها علي أرضه.. قلت لكم هذا مراراً وتكراراً بدافع حرصنا علي ان تستمر علاقات بلدينا في طريقها الصحيح.. وعلي أن نتفادي المصادمات والمطبات التي ليست في صالحنا مطلقا.. لكن الواضح أن الجهات المشرفة والممولة كان لديها اصرار علي أن تظل علي نهجها القديم دون الاعتراف بالمتغيرات.. ودون الاهتمام بارادة المصريين.
وللحقيقة.. لم نكن وحدنا الذين نبهنا إلي ضرورة مراعاة التغيير الذي حدث في مصر بعد الثورة وفتح أبواب الحرية لشعبنا.. ومازلت أذكر مقال كاتبكم الشهير توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” الذي أشار فيه بكل وضوح إلي أنه لم يعد في مقدور واشنطن أن تدير علاقاتها مع مصر من خلال التليفون بمكالمة مع شخص واحد.. ومازلت أذكر نصيحة البروفيسور الامريكي أستاذ العلاقات الدولية بيل روبنسون الذي قرأت له ولم ألتق به للأسف حتي الآن التي يقول فيها “إن من أكبر الاخطاء التي يمكن أن تقع فيها الولايات المتحدة مستقبلا أن تسعي إلي إعادة انتاج المباركية بدون مبارك في مصر عن طريق استمرار النموذج الاجتماعي والاقتصادي والنموذج الطبقي وعلاقات السلطة بالشكل الذي كان يحدث في مصر خلال العقود الماضية.
اتمني مخلصاً- يا سيادة الرئيس- أن تأخذوا اشارة فريد مان علي محمل الجد.. وان تصدقوا نصيحة روبنسون وكل الرسائل التي تقول لكم ان النموذج المباركي قد سقط إلي الأبد.. وانكم في حاجة إلي تغيير أسلوب التعامل مع مصر ان كنتم مثلنا حريصين علي استمرار واستقرار العلاقة بين بلدينا.
نعم.. هناك قطاع عريض من شعبنا يتطلع إلي علاقات صداقة قوية مع الشعب الأمريكي ولكن في إطار من الندية والتوازن.. دون املاءات ودون تبعية.. فما لا ترضونه لبلدكم لن يرضاه المصريون لبلدهم.. وهناك قطاع آخر من شعبنا- عريض أيضا- أصابته المواقف الامريكية المنحازة دوما لاسرائيل باليأس والاحباط.. وهذا القطاع لا يثق في أية علاقات صحيحة ومتوازنة مع أمريكا.. ولا يري امكانية لذلك.. وقد كان بودنا ان ننتصر معا للقطاع الأول لكن من دواعي الأسي أن التجاوب حتي الآن لا تبعث علي التفاؤل.
ان البعض عندكم يتصور أن سلاح المعونة قادر علي أن يجبر الشعب المصري علي أن يكون طوع ارادتكم.. وهذا وهم.. بل هو خطأ استراتيجي يهدد مستقبل العلاقات بيننا.
والبعض عندنا يصور لكم أن المال السياسي الذي يحصل عليه منكم بسخاء يمكن أن يساعد علي تغيير اتجاهات الرأي العام في مصر ليكون تابعاً لكم ومؤيدا لمواقفكم وقناعاتكم.. ولعلكم تتفقون معي في أن التجربة الديمقراطية كشفت فساد هذا التصور.. فهؤلاء الذين حصلوا علي تمويلكم وقدموا أنفسهم علي أنهم بديل الدولة المصرية ظهروا أقلية بائسة في أول انتخابات برلمانية حرة نزيهة.. وأنهم بلا تأثير في الشارع.. وسوف تنتهي كل المحاولات التي يقومون بها حاليا لارباك مسيرتنا الوطنية إلي الفشل.. لأن الشعب المصري أكثر وعيا مما يظنون.
وعندما تكشف سلطات التحقيق ضبط أموال وخرائط لتقسيم بلادنا.. ورصداً لمساجد وكنائس ووحدات تمركز لجيشنا في مقرات المنظمات الأمريكية بالقاهرة فليس بوسعنا الصمت.. لقد خرج الملف من المجال السياسي إلي المجال القضائي.. وعلينا معا أن نحترم وننتظر كلمة القضاء.. وليعلم كل مواطن أمريكي شريف أن في مصر قضاءً عادلاً.
تقبل مودتي واحترامي
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.