When Washington Emphasizes Defending the Settlements!

<--

عندما تنبري واشنطن للذود عن الاستيطان!! * عريب الرنتاوي

من منّا لا يذكر، إمارات “القرف” و”الإشمئزاز” التي ارتسمت على وجه مندوبة الولايات المتحدة إلى نيويورك سوزان رايس، وهي تعلق على الفيتو المزدوج (الصيني – الروسي) ضد مشروع قرار حول سوريا… يومها عبّرت الدبلوماسية الأمريكية، بعبارات “غير دبلوماسية” عن استيائها وإحباطها الشديدين، من قيام دولتين عظميين بحماية القاتل، وتوفير “فرصة إضافية للقتل”…يومها كادت السيدة الأمريكية أن تقذف “ما في أمعائها” على مائدة مجلس الأمن، وليس في “دورات مياهه”.

لا أدري بالضبط، كيف كان شعور مندوب الولايات المتحدة وهو يرفع يده وحيداً في اجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف الذي أدان السياسات والممارسات الاستيطانية لدولة الاحتلال والاستيطان والعنصرية، وقرر تشكيل لجنة تقصي حقائق بهذا الخصوص…لا أدري كيف كانت ملامحه أو ملامحها، فأنا لا أعرف هوية هذا المندوب ولا شكله، ولم توفر وسائل الإعلام التغطية الكافية للحدث الأكثر إثارة للقرف والإشمئزاز من السلوك الروسي – الصيني (المزدوج).

وحدها واشنطن تصوت بـ”لا” على مشروع القرار المذكور…معظم دول العالم صوت بـ”نعم” مدوّية لصالح القرار…قلة امتنعت عن التصويت خشية “الترهيب الأمريكي” و”الإبتزاز الإسرائيلي”…مع أن واشنطن، لفظياً على الأقل، ما زالت تدعم خيار الدولتين، الذي تكاد سياسات التوسع الإستيطاني أن تُجهز عليه….وهي – أي واشنطن – ما زالت ترى الاستيطان عملاً غير مشروع، ويشكل عقبة على طريق السلام، بل ويتهددها برمتها…لكنها كدأبها دوماً، تبدي استعداداً للتراجع عن مبادئها وقيمها ومواقفها وتصريحات قادتها، عندما يتصل الأمن بإسرائيل وأمنها واستيطانها وعنصريتها، سيما حين يكون البيت الأبيت على مسافة خطوات قليلة من استقبال ساكن جديد، أو التجديد لساكن قديم.

ما الرسالة التي يتعين على الأطراف المنخرطة في الصراع العربي الإسرائيلي، أن تتلقفها من وراء هذا الموقف الغريب والمخجل حقاً؟…إسرائيل ازدادت يقيناً بأن واشنطن ستظل تحمي ظهرها، حتى وهي تقارف أبشع الانتهاكات للقانون الدولي والإنساني، وتتعدى على حقوق شعب آخر…أما الفلسطينيون فقد تلقوا الرسالة تلو الرسالة، التي لا تدع لديهم مجالاً للشك، في أن الولايات المتحدة، هي جزء من مشكلتهم، وليست سبباً أو وسيلة لحلها، دع عنك حكاية الوسيط في عملية السلام، فتلكم أكذوبة، ما عادت تنطلي على طفل صغير في الدهيشة أو المغازي أو الوحدات أو اليرموك.

بعض العرب المستعربة، أقام الدنيا ولم يقعدها ضد موسكو، واستتباعاً بكين، لموقفها المزدوج من مشروع القرار حول سوريا، حتى أنهم أعلنوا “نهاية الحوار مع موسكو”، ورفضوا استقبال لافروف، فيما إعلامهم لم يكف عن كيل الصاع صاعين لموسكو، وخلاياهم النائمة بدأت تستيقظ على وقع “الصعود السلفي” في جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز، في إشارة لا تخفى دلائلها على أحد.

لكن حين يصدر الفيتو الأمريكي في نيويورك أو جنيف، تراهم يلوذون بصمت القبور…لا تبنس لهم بنت شفة…لكأن ما يجري أمام ناظريهم، يحدث في كوكب آخر…أو لكأن فلسطين ليست جزءاً من “العروبة” التي يذودون عن حياضها…أو لكأن “عروبتهم” لا تستيقظ إلا في مواجهة إيران، أما حين يتصل الأمر بإسرائيل وعدوانها واستيطانها، فإنهم يخلعون عن أكتافهم “عباءة” العروبة” ويتدثرون بلبوس “شرق أوسطي” ملتبس، يلحظ “المصالح المشتركة” مع إسرائيل، أو “الإلتقاء الموضوعي” في المواقف والمواقع…هنا حتى تصبح العقلانية استسلاماً وركوعاً…وهناك تصبح الواقعية، مؤامرات ودسائس وسلاحا وتسليحا، وعقائد إقصائية سوداء، وخلايا نائمة ومستيقظة.

إن فلسطين أيها السادة، هي أُس العروبة، جذرها وجوهرها…ومن يقول بغير ذلك، أفّاق وأفّاك…هي مبتدأ الجملة القومية وخبرها…هي حجر سنمّار في البناء القومي العربي، ومن دون ينهار ويصبح أثراً بعد عين…ومن جرب اختبار عروبته خارج هذا الحقل، فشل فشلاً ذريعاً…فما بالك حين يختبر البعض منا عروبته، بالتواطؤ مع أعدائها ومغتصبي حقوق شعبها، وحماتهم ورعاتهم.

وللإسلاميين المنهمكين بملفات أخرى، أغلبها يتجه لإرواء الظمأ للسلطة وبريقها نقول: كفى رسائل طمأنينة وإطمئنان، لقد أشبعتم العالم بها، إلى الحد الذي كدتم تقتربون فيه من استعارة لغة خصومكم من النظم البائدة…كفى لهواْ بعيداً عن قضية العرب المركزية الأولى، قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين…لقد أمطرتمونا بوابل من العظات والفتاوى حول أرض الوقف…ها هو الوقف يكاد يضيع من بين أيدينا وأيديكم، فيما كثيرون منكم، منصرفون إلى غير ما ينفع الناس، إلى صراع حول جنس الملائكة، و”حد الحرابة” و”تعدد الزوجات” إلى غير ما هنالك من شؤون تحيلنا إلى “مزاج” رايس في تلك الجلسة إياها.

أما آن الأوان، ليقظة شعبية، تليق بربيع العرب، تضع فلسطين في صدارة أولوياتها؟…هل نترك أمر هذه القضية لحكام تاجروا و”آجروا” بها وبشعبها؟..أما آن الأوان لوقفة تليق بمئة عام من النضال والكفاح من أجل عروبة هذه البقعة المقدسة؟…أسئلة نتركها برسم قادمات الأيام.

About this publication