Kill to Liberate

<--

منذ الأزمنة البعيدة، لا يأتي الغزاة إلى بلد إلا وهم يرفعون شعارات نبيلة، لكن عاقلا لا يأخذها على محمل الجد، فالغزاة لا يأتون من أجل أن يمتعوا شعوب الدول التي يحتلونها بالحرية والديمقراطية والرفاه، ولا ليخلصوهم من الظلم، بل يأتون لأسباب ذات طبيعة “إمبريالية” عنوانها النهب والهيمنة والنفوذ.

جاء الأمريكان إلى العراق من أجل التخلص من أسلحة الدمار الشامل، لكن أحدا لم يقتنع بذلك، وعندما لم يعثروا على شيء تحدثوا عن الإنجاز العظيم المتصل بتخليص العراقيين من حكم طاغية، حتى لو كان ثمن ذلك ملايين القتلى والجرحى والمهجرين، وحتى لو وضعوا البلاد بأيدي جحافل من اللصوص الذين مارسوا ويمارسون أبشع عملية نهب في التاريخ، مع التذكير بأن جزءا من تلك العملية كان يتم بالشراكة مع المحتلين.

في أفغانستان، جاء الغزاة من أجل أسامة بن لادن، ومع هذا الهدف رفعوا شعارات الحرية والديمقراطية وتحرير المرأة وتخليص البلاد من المخدرات، وها هم بعد أكثر من عشر سنوات على احتلالهم لم يقدموا للأفغان غير الموت والقهر والفقر وزيادة إنتاج المخدرات، بينما لم يتغير حال المرأة التي لا تزال ترتدي البرقع وتعيش البؤس الناتج عن الفقر أكثر من ذلك المترتب على ظلم الرجال.

منذ أسابيع ينشغل الأمريكان بلملمة تداعيات مقتل 16 أفغانيا برصاص جندي أمريكي، من بينهم 9 أطفال، حيث نقلوا القاتل لأمريكا من أجل محاكمته، وقد يحكمون عليه حكما مغلظا ثم يفرجون عنه لاحقا، مع أن تنفيذ الحكم لن يعني شيئا في واقع الحال، لأن مسلسل القتل والقهر سيتواصل.

هل المشكلة في قاتل مهووس مارس “ساديته” على أبرياء عزل؟ الكاتب البريطاني سيوماس ميلن أجاب على ذلك في مقال له بصحيفة الغارديان، حيث رأى أن القتل نتيجة حتمية لوجود الاحتلال، بدليل أن ما جرى لم يكن سوى حلقة في مسلسل لا يتوقف من الجرائم التي ارتكبت بحق الأفغان، تماما كما حصل في مسلسل مشابه، وربما أكثر بشاعة في العراق.

يستعرض الكاتب حلقات من ذلك المسلسل الذي كان آخره حرق جنود أمريكيين للمصحف الشريف، والذي جاء بعد مشاهد لجنود آخرين كانوا يتبولون على جثث لمواطنين أفغان.

ويذكّر الكاتب أيضا بقيام عناصر من وحدة أميركية بقتل مدنيين أفغان بهدف التسلية العام الماضي، حيث قطعوا أوصالهم وأخذوها كتذكار لهم.

كما طعن جندي بريطاني العام الماضي صبيا في العاشرة من عمره دون سبب، فيما يخضع جنود بريطانيون الآن للمحاكمة بسبب تصوير مشاهد تعذيبهم للأطفال الأفغان. كما يشير إلى وثائق ويكيليكس التي تحدثت عن 21 حالة قتل لمدنيين أفغان على أيدي بريطانيين.

هي إذن ممارسات طبيعية للمحتلين، لاسيما حين يكونون من أصحاب الدم الأزرق الذين ينظرون بازدراء للشعوب التي احتلوها، ولا يجب أن ننسى هنا أننا نتحدث عن جرائم اكتشفت، فيما يتوافر الكثير منها مما لم ولن يكتشف بحال، كما لا ينبغي أن ننسى ما جرى مرارا في باكستان حيث قتلت الطائرات الأمريكية بدون طيار عددا كبيرا من الأسر والبشر بدعوى أنهم إرهابيون، وليتبين لاحقا أنهم أناس أبرياء ليس لهم أدنى صلات بالعنف أو بالسلاح.

وعندما كان الأمريكان يحاولون التخلص من وزر جرائمهم كانوا يدفعون 500 دولار لكل مواطن أفغاني، بينما كان ثمن حياة الغربي في تفجيرات لوكربي يساوي مئة مليون دولار، فأي ازدراء للإنسان المسلم أكثر من هذا؟!

إنها أزمتنا مع هذا الغرب الذي يتعامل معنا باستعلاء، ولا يتدخل بقضايانا إلا من أجل مصالحه الخاصة، بدليل تحركه في ليبيا من أجل النفط، وتركه السوريين يموتون بالقتل والمجازر رغم قناعته بسقوط بشار الأسد، وبالطبع لأن تدمير البلد سيكون مصلحة لحليفته دولة الاحتلال الصهيوني، وهو موقف يأتي شبيحة نظام الأسد ليفسروه على أنه مؤامرة ضد نظام المقاومة والممانعة!!

يبقى القول إنه كما خرج الأمريكان من العراق بعد أن دفعوا الأثمان الباهظة سيخرجون من أفغانستان أيضا، وما استجداؤهم الحوار مع حركة طالبان إلا دليل على المأزق الذي وجدوا أنفسهم يتخبطون فيه، فهنا ثمة أمة لا تعرف الذل ولا الهزيمة، بل تنهض دائما كي تقاوم وتقاوم حتى تحقق الانتصار مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.

About this publication