An Empire Celebrates a Man’s Murder

<--

لم يترك الرئيس الأمريكي أوباما فرصة مرور عام على اغتيال زعيم القاعدة أسامة بن لادن من دون أن يستثمرها انتخابيا بما يليق بانتصار “عظيم” حققه الرجل الذي أراد أن يقول للأمريكيين إن سلفه بوش، وبالضرورة منافسيه الجمهوريين، هم الذين صنعوا أسطورة بن لادن، بينما هو الذي تمكن من دفنها أو يكاد.

رحل أوباما سرا إلى أفغانستان ليدشن الاحتفال بالذكرى السنوية لانتصار أكبر إمبراطورية في التاريخ البشري على رجل أعزل يعيش مع زوجاته الثلاث وحارسيه (خادميه ومراسليه بتعبير أدق) في بيت بعيد في منطقة باكستانية اسمها أبوت أباد عبر عملية استعراضية تمت من دون شك بالتنسيق مع الجهات الباكستانية، مع أن الأمر لم يكن يستحق استعراضا عسكريا وطائرات وفرق كوماندوز، ولا حتى لحبس أوباما ومساعديه لأنفاسهم لساعات طويلة في انتظار الخبر السعيد.

ثمة بالطبع بُعد آخر لزيارة أوباما يتمثل في التأكيد على أن الرحيل من أفغانستان بات وشيكا أيضا، مع أن سرية الزيارة والعملية المدوية التي نفذتها طالبان بعد ساعات قليلة من مغادرة الرئيس قد أكدتا أن نتائج الحرب على الحركة لن تكون أفضل حالا من نتائج الحرب على القاعدة، ومن ضمنها احتلال العراق، وهي الهزيمة التي يراد إقناع الأمريكان بأنها “مشرفة”، مع أنها ليست كذلك.

والحال أن نتائج حرب أسامة بن لادن على الولايات المتحدة لم تكن في صالح الأخيرة وفق أي معيار منطقي، اللهم إلا إذا نظر القوم إليه بوصفه قائد إمبراطورية منافسة، وليس مجرد رجل واحد التف من حوله قلة من الرجال هنا وهناك وجدوا أنفسهم أمام حرب فرضت عليهم بعد مطاردة من مكان إلى مكان (ألم يكن أسامة بن لادن يعيش في السودان، قبل أن يطاردوه ويضطروه للرحيل إلى أفغانستان من جديد؟!).

حجم الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة في حروبها التي حملت عنوان بن لادن والإرهاب تؤكد أن الهزيمة كانت من نصيبها، وليس من نصيب رجل كان يعرف أنه مقتول لا محالة، وما بقاؤه على قيد الحياة كل تلك السنوات بعد هجمات الحادي عشر من أيلول سوى عنوان آخر من عناوين الهزيمة الأمريكية، فضلا عن ذلك الاحتفال بعملية قتله وتاليا بذكراها السنوية!!

في الوثائق التي تسربت من بيت أبوت أباد، وهي منتقاة في واقع الحال نعثر على رجل كان يعيش حياة متقشفة بسيطة مع زوجاته الثلاث وأبنائه، فيما يجاهد في توفير وسيلة اتصال مع قادة التنظيم الذين كانت طائرات أمريكا بدون طيار تتخطفهم واحدا إثر الآخر، إلى جانب الفروع التي تكاثرت وحُسبت على الزعيم من دون أن يكون له رأي ملزم فيما تفعل.

في الوثائق التي نشرت نعثر على شخصية أسامة بن لادن الحقيقية التي تحدث عنها من عرفوه طوال السنين، وهي شخصية لم تكن لتقبل كثيرا من العمليات التي نفذت باسم التنظيم في عدد من الأقطار، أكان في العراق أم دول أخرى.

كان أسامة بن لادن معنيا بكسب جمهور المسلمين، ولعل ذلك هو السر خلف تعاطف الكثيرين منهم معه شخصيا، رغم رفضهم لممارسات المجموعات المحسوبة عليه، وفي الوثائق نعثر على رفض لكثير من تلك الممارسات، حيث اعتبر أن بعض عناصر القاعدة قد “ارتكبوا أخطاء وأساؤوا الحساب” بقتلهم لكثير من المسلمين في عملياتهم. وطلب من مساعده عطية عبد الرحمن أن يدعو كل أمير أو قائد محلي إلى ضرورة تجنب أية “خسائر مدنية غير ضرورية” تؤذي التنظيم، معتبرا أن “ارتكاب مثل تلك الأخطاء مسألة ليست بسيطة”، وأن سفك دماء المسلمين انحراف عن طريق الجهاد.

أيا يكن الأمر، فقد مثلت عملية اغتيال بن لادن بكل تفاصيلها، وفي مقدمتها حكاية دفن جثته في البحر، وصولا إلى هدم البيت الذي كان يسكنه وبيع حجارته بالطوبة!! مثلت فضيحة للإمبراطورية الأمريكية أكثر منها انتصارا لها، هي التي خرجت من معركتها الطويلة مع الرجل مثخنة بالجراح مدفوعة إلى التراجع من مرتبة القوة المهيمنة على العالم إلى مجرد واحدة من قواه الكبرى.

هو غرور القوة الذي يتلبس الإمبراطوريات الكبرى فيدفعها إلى مغامرات حمقاء باهظة التكاليف، ولا شك أن فيما جرى درس لكل من يفكر في دخول صراع مع أمة من مليار ونصف المليار من البشر تحت أية ذريعة كانت. درس للقوى الجديدة الصاعدة مثل الصين وروسيا التي تتورط في استعداء العرب والمسلمين عبر دعم النظام المجرم في سوريا.

About this publication