The West and the Enrichment of Hatred

<--

كان للفكر الاستشراقي دور كبير في تشويه صورة العرب والمسلمين في الوعي الجمعي الغربي, وتشكيل صورة نمطية سلبية في المتخيل الغربي العام عن دينهم وسلوكهم, والأخطر من ذلك إظهارهم بمظهر الحاقد والناقم على الغرب وثقافته وحضارته والسعي لتدميرها.

وعلى الطرف الآخر, كانت صورة الغرب عند شعوب منطقتنا هي صورة المستعمر والغاصب الذي تعزى إليه كل أسباب التخلف والجهل والتمزق التي أصابت الأمتين العربية والإسلامية وخاصة خلال القرنين الماضيين, وسعيه ودأبه لإفشال أي مشروع وحدوي أو نهضوي, سواء كانت عناوينه قومية أم دينية, وزاد من هذه الصورة السلبية دعم واحتضان الغرب للكيان الصهيوني, وتحالفه التاريخي مع أنظمة استبدادية وفاسدة, لم تستطع أن تحقق لشعوبها حداً أدنى من الشروط الوطنية في إطار ممارسة الحياة الديمقراطية والمواطنة الحقة, إضافة إلى متلازمة الفقر والجهل والتخلف بمعنى أدق لم يكن الفارق كبيراً من حيث الحاصلين السياسي والاجتماعي بين الاستعمار وأنظمة هي صنيعته وكثيرة الشبه به.‏

هذا المشهد المركب والمتناقض في آن معاً تم استثماره بوسائل وخطابات متعددة, وعبر عملية حقن ثقافي, وتحريض مدروس باتجاه الغرب الذي أصبح الشماعة التي علقت عليها كل أسباب مصائب الشعوب ومعاناتها من تجزئة وفقر وظلم وغيرها, وضمن تلك البيئات والخطابات التحريضية والتعبوية واستثمار الوقود الديني وغيره من أشكال إثارة العصبيات, ولدت تنظيمات تحت عنوان السلفية قدمت نفسها على أنها تمثل حالة الدفاع عن الإسلام والمسلمين أمام كل ما تعرضوا له من أشكال العسف والظلم والعدوان, ووجدت هذه التنظيمات بيئات ودولاً وقوى حاضنة لها في أكثر من مكان في العالم الإسلامي وبعض دول الغرب.‏

وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول وجدت بعض القوى الاستعمارية والصهيونية تحديداً إضافة للمسيحية المتصهينة فرصتها في إعلان الحرب على ما سمي (الإرهاب الإسلامي) تحقيقاً لمصالح استراتيجية مرتبطة أساساً بقوى رأسمالية تمثل التحالف بين المجمع العسكري الأميركي وشركات النفط والغاز, إضافة للصهيونية المسيحية المتجذرة في الأوساط الدينية والثقافية والفكرية والإعلامية التي تسيطر على أغلب مراكز الدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر الخزان المنتج والمصدر للساسة والمصنع لقادة الأحزاب في إمبراطورية العم سام.‏

وأمام الضخ الإعلامي والحقن الثقافي والتحريض على الإسلام في أوساط صناعة الرأي العام في أميركا والغرب عموماً, إضافة لاستثمار ما قامت به بعض التنظيمات المتطرفة في أكثر من مكان في أوروبا وأميركا وغيرها من دول العالم ونسبته للإسلام كدين بهدف خلق مناخ من الكراهية في دول الغرب للإسلام والمسلمين،جاءت الرسوم التي نشرت في بعض الدول الاسكندنافية قبل عدة سنوات وما مثلته من اعتداء على الضمير الجمعي للشعوب الإسلامية، وعدم احترام‏

معتقداتها ومشاعرها الإيمانية لتصب الزيت على النار، وتؤجج مشاعر الكراهية وتخصيبها عند مئات الملايين من المؤمنين على مستوى الساحة العالمية تجاه القوى الغربية،وما لذلك من انعكاس وردود فعل سلمية وعنيفة جرى استثمارها بما يزيد من الهوة بين أبناء الثقافات والانتماءات المختلفة, ويساهم في بناء جدران وأسوار من العداء والبغضاء بينهم, وهنا تتحقق مصالح تلك القوى التي أشرنا إليها سابقاً, وهي خلق مناخ من العداء بين أصحاب الديانات السماوية, ما يوفر أسباباً ومناخات لصراعات وحروب لا نهاية لها, المستفيد الوحيد منها هو القوى الراسمالية التي تستثمر في عولمة متوحشة.‏

إن ما يجري اليوم من استفزاز لمشاعر المسلمين وردود الفعل بأشكالها المختلفة على ذلك, يعيد إلى طاولة النقاش والسجال الفكري والعراك الثقافي ما طرحه المنظر والمفكر الأميركي صموئيل هاتنغتون في كتابه صراع الحضارات إن لم نقل إعادة تظهير واستثمار لمقولاته, وهنا يصبح من واجب الجميع وخاصة في الغرب سواء كانوا نخباً سياسية أم فكرية إدراك حجم المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها المصالح الغربية والأمن الاستراتيجي لدول الغرب عموماً إن استمرت مثل تلك الأعمال, وعدم وضع حد لها عبر ضوابط قانونية, فالادعاء بحرية التعبير لا تصلح أساساً لتبرير ذلك لأن حرية الشخص والجماعات تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين والعكس صحيح, فكيف إن كانت حرية شخص في التعبير تنتهك مشاعر مئات الملايين من البشر وتضر بمصالح دول وشعوب وتهدد سلامتها, فهل المصلحة الفردية تتقدم على المصالح الجماعية, وهنا نذكر الأميركيين وغيرهم أنهم تحت عنوان المحافظة على الأمن القومي الأميركي أوقفوا العمل وجمدوا الكثير من القوانين التي تتعلق بالحريات الشخصية ومنها الانتقال والاتصال ومداهمة دور السكن والتنصت على المكالمات الهاتفية ووضع أجهزة المراقبة الالكترونية في الأماكن العامة وحتى الخاصة, ناهيك عن قوانين تحرم التعرض للمحرقة وكل ما يمكن توصيفه بأنه عداء للسامية.‏

إن التذرع بحرية التعبير بهدف الإساءة للمسلمين ونبيهم, لم يعد مقبولاً عند أحد سواء كان مسلماً أم مسيحياً لأن ذلك يشكل سابقة يمكن لأي كان سواء كان شخصاً أم تنظيماً أم دولة أن يستغلها بهدف الإساءة للغير والأكثر من ذلك يمكن استثمار المشاعر الدينية المتأججة لتكون وقوداً لصراعات وحروب لا نهاية لها ولا طائل منها, الرابح الوحيد فيها هم تجار الحروب ومستثمرو النزاعات والصراعات الدولية.

About this publication