الناخب الأميركي.. مزاج متغير
صورة المشهد الانتخابي الرئاسي للمتابع من داخل الحدث، تختلف عنها بشكل مطلق عندما تكون المتابعة عن بعد. فنحن نشكل وجهات نظرنا حول كثير من الموضوعات بحسب ما نسمعه أو نشاهده أو نقرأه، لذلك تكون التحليلات والآراء عبارة عن تسجيل انطباعات وأفكار، تبتعد في أحيان كثيرة عن طبيعة الحدث.وهذا ينطبق كذلك على كثير من الموضوعات التي يتم البحث فيها. فعلى سبيل المثال، أصبحت آراء شخصية الفرد المرشح، سواء في الانتخابات الرئاسية أو انتخابات الكونغرس، عاملا حاسما بالنسبة للسياسة الانتخابية خلال العقود الأخيرة. وهذا بدوره أدى إلى التقليل من أهمية الولاءات الحزبية، إذ أصبحت شخصية المرشح هي العامل الحاسم في الانتخابات.وهذا ما تؤكده التجارب الانتخابية السابقة، إذ برز بشكل واضح دور وسائل الإعلام المتطورة، وحملات جمع التبرعات، واستطلاعات الرأي العام المتواصلة، وغيرها من الوسائل الحديثة، وخصوصا الإعلام الاجتماعي الذي يلعب دورا كبيرا في تعريف الناس بطبيعة المرشح وبرنامجه الانتخابي الذي يفرضه في حال فوزه عن حزبه.لذلك، حصل هنالك تغير جذري في مزاج الناخب الأميركي، وجعله أكثر وعيا ومعرفة بالمرشح كفرد وليس كحزب. ونتيجة لذلك، بدأ الناخبون يتدارسون مواطن القوة والضعف في المرشحين. ولا ننسى في ذات السياق أن اعتبارات الولاء الحزبي بقيت حاضرة في اختيار المرشحين الذين يدعمهم الناخبون، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جملة التغييرات العلمية والإعلامية التي حدثت قد أسهمت بشكل كبير في التقليل من الاعتماد على التوجيهات الحزبية فيما يتعلق بخياراتهم عند الإدلاء بأصواتهم.وهذا التغير النوعي في مزاج الناخب الأميركي يبرز بشكل واضح في الحملات التمهيدية لاختيار المرشح للرئاسة. فلم تعد هنالك أهمية كبيرة للمؤتمر النهائي للحزب، فقد حسم الناخبون خيارهم بشأن مرشحهم للرئاسة في فترة مبكرة من عملية الانتخابات التمهيدية. وضمن هذا السياق، يمكن تفسير فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة؛ فشخصيته وطبيعة خطابه هي التي أوصلته إلى سدة الرئاسة الأميركية، ولو أن مزاج الناخب الأميركي لم يجر عليه تغيير جذري نتيجة للتعليم ووسائل الإعلام الحديثة، لما تمكن أوباما من الفوز.لذلك، فالحديث عن المشهد الانتخابي الرئاسي من الداخل يختلف عن الحديث عنه من الخارج؛ إذ ثمة قضايا تفصيلية وأساسية تدخل في تكوين الانتخابات ذات الطبيعة المعقدة والمختلفة بشكل كامل عن باقي الأنظمة الانتخابية في العالم. وكذلك طبيعة الناخب الأميركي الذي يطور أدوات اختيار مرشحيه، سواء للكونغرس أو لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، لا يمكن معها الحديث عن تلك العملية الانتخابية المعقدة وكيف تتم. ورغم كل ذلك، إلا أنها في الوقت عينه ذات تنظيم عالي الدقة، يستحق المتابعة عن كثب لمعرفة بواطن الأمور.jihad.almheisen@alghad.jo
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.