An Illumination: Terrorists or Journalists?

<--

إضاءة..إرهابيون أم إعلاميون؟

بقلم : ريم الحرمى

يعد متحف الأخبار في واشنطن دي سي من أكثر المتاحف شمولية والأكثر إمتاعا في نقل تطور الإعلام منذ بداياته البسيطة وحتى ما وصل إليه اليوم من إعلام اجتماعي ووسائط متعددة، فالمتحف يضم كل ما يمكن أن يتعلق بالإعلام والصحافة ويجمع الصفحة الأولى من كل دول العالم وبكل اللغات، لذا المتحف ليس أمريكيا فحسب بل له صبغة دولية لتشمل كل الصحفيين في العالم وكل الأحداث الكبرى التي غطتها وسائل الإعلام مثل الحروب وأحداث الحادي عشر من سبتمبر والثورات في الدول العربية، لذا يعد هذا المتحف الذي زرته أكثر من مرة من المتاحف القيمة في العاصمة الأمريكية ولا يمكن لأي كان إغفاله بسبب الكم الهائل الذي يحتويه هذا المتحف من معلومات ووسائل عرض تقليدية وأخرى حديثة.

وكما هو الحال فإن المتحف يقيم فعاليات كثيرة تخص الصحفيين الدوليين حول العالم، وهذا العام قرر المتحف أن يقوم بتكريم ٨٢ صحفيا ضمن أكثر من 2000 صحفي قتلوا على مدى أكثر من عقد أثناء تأدية واجباتهم الصحفية ووضع أسمائهم في لائحة الشرف للصحفيين، فقام المتحف بحفر أسماء هؤلاء الصحفيين على واجهة المتحف الزجاجية وتكريم ذويهم في واشنطن دي سي، وكان من المقرر أن يتم تكريم صحفيين يتبعان لتلفزيون الأقصى الفلسطيني وهما محمد سلامة وحسام الكومي إلا أنه في صباح اليوم ذاته قرر القائمون على المتحف “إعادة النظر” فيما إذا سوف يتم تكريمهما أم لا، طبعا من غير المستغرب إذا علمنا أن من يقف وراء هذا التغير غير المفاجئ في قرار متحف الأخبار هم اللوبي الصهيوني والإسرائيلي في واشنطن، والذي دأب منذ أن علم بتكريم صحفيين فلسطينيين على الضغط على المتحف للعدول عن تكريمهما، وها هم بالفعل نجحوا في ذلك، والمثير للسخرية أن السفارة الإسرائيلية في واشنطن رحبت بهذه الخطوة التي ترى فيها أنها تأتي من قيم الصحافة من خلال معرفة “القصة كاملة”.

إن القرار الذي اتخذه المتحف، لا يصب في خدمة الإعلام أو الصحافة، أو حتى القيم التي يحث القائمون في المتحف عليها ويروجون لها، فحين قُتل الصحفيون الفلسطينيون كانت إسرائيل تشن عدوانا على غزة وتقصف بطائراتها أهدافا مدنية وليست عسكرية فحسب، ثم إن ما صرحت به السفارة الإسرائيلية في واشنطن وما قام به متحف الأخبار هو تبرير لقتل وعمليات إسرائيل العسكرية واسعة النطاق أكثر “من كونه من يعمل لمنظمة إرهابية ومن يعمل لحماس” كما برر المدافعون عن سحب التكريم من الصحفيين الفلسطينيين، ثم إن إسرائيل واللوبي اليميني-الصهيوني في واشنطن والذين ساهموا في الضغط على قرار المتحف، مثل مركز الأبحاث والفكر “مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات”FDD” و”رابطة مكافحة التشهير” وهي مؤسسة صهيونية ذائعة الصيت وغيرهم من الجماعات اليمينية والصهيونية، لكنهم في الوقت ذاته نسوا أن إسرائيل تم تصنيفها ضمن أسوأ ٣٩ دولة “معتدية على حرية الصحافة والإعلام” من قبل منظمة مراسلين بلا حدود، كذلك وفي الاعتداء ذاته والذي قتل فيه الصحفيون قتلت إسرائيل أكثر من ١٦٢ شخصا في نوفمبر الماضي أغلبهم مدنيون وغير مسلحين، ولإسرائيل تاريخ طويل في استهداف المدنيين سواء أكانوا إعلاميين، ناشطين أو مجرد مدنيين.

إن استهداف هؤلاء الصحفيين من قبل إسرائيل بدون حتى أن تدعم إسرائيل ما قالته عن زعمها بأنهم “إرهابيون” تبين نية إسرائيل “المبيتة” في اتهام “الطرف الآخر” وإطلاق الأحكام المسبقة على الطرف الفلسطيني بأنه إرهابي بغض النظر إن كان يحمل سلاحا أو يحمل آلة تصوير، حتى أن إسرائيل استخدمت مصطلح “إرهابي” و “إرهاب” في وصفها لهؤلاء الصحفيين، وهي بالتالي تقوم بتسييس الإعلام وإطلاق صبغة سياسية عليه وهذا مالا ينبغي فعله أبدا فتسييس الإعلام يدخل في عدم الحيادية، وما فعلته إسرائيل وجماعات الضغط الصهيوني ومن ثم انصاع له متحف الأخبار ما هو إلا تسييس للحقائق وغض الطرف عن جرائم إسرائيل المستمرة التي دائما ما تضع عليها صبغة شرعية سواء بشن عمليات استباقية أو عمليات رد دفاعية. لكن ألم يتساءل المتحف نفسه لم تواجد هذان الصحفيان في هذا المكان بآلات ومعدات تصويرهما، وكيف يقتل شخص ومن ثم يتهم بأنه ينتمي إلى جماعة إرهابية وهما بثياب مدنية وعلى رأس عملهما، وهل تم التحقق على سبيل المثال من كل صحفي أو إعلامي قتل في الحروب عن توجهاته السياسية المعلنة والخفية؟ بالطبع لا، وهنا يتبين الحديث الذي يشاع عن أن الإعلام الأمريكي تسيطر عليه جماعات ضغط صهيونية ويروجون للبروبجندا التابعة للحكومة الإسرائيلية والأيدلوجيات الصهيونية، ليس في كل الأحوال طبعا، لكن ما حدث في متحف الأخبار يعد دليلا على قوة اللوبي الصهيوني في واشنطن الذي يستميت في الدفاع عن صهيونيته وإطلاق المشروعية والإنسانية والمنطق حتى وإن كان هذا ضد أشخاص مقتولين، حتى وإن كان هؤلاء الأشخاص صحفيين قتلوا في عدوان إسرائيلي، بالمقابل نرى أنه لا يوجد لوبي عربي مماثل بقوة وجبروت اللوبي الصهيوني المتواجد في واشنطن وغيرها، وهنا أتساءل هل نلوم حضور تلك اللوبيات وجماعات الضغط الصهيونية المنحازة، أم نلوم غياب جماعات ضغط ومراكز أبحاث عربية تقوم بتبيان الحقائق التي تدلسها إسرائيل وغيرها؟

About this publication