ردود الفعل الأمريكية والبريطانية على ما حدث فى مصر، وقلقهم الزائد مما فعله الجيش المصرى، واعتبارهم لما حدث بأنه انقلاب عسكرى ضد الديمقراطية، هذا كله له ما يبرره، فالضحية الآن هى الابن الأكبر “تنظيم الإخوان المسلمين”، الذى راعته البلدان ودعمتاه على مدى ثمانين عاماً، والخسارة بالنسبة لهما فادحة، حيث إن تنظيم الإخوان يعتبر أكبر وأهم فصيل “إسلام سياسى”، وربما يكون الآن هو الأوحد فى العالم، وباقى الفصائل والتنظيمات الأخرى كلها عسكرية أو جهادية، مثل القاعدة وطالبان والجهاد والجماعات الإسلامية وغيرها، وجميعها تعمل فى السر، بينما تنظيم الإخوان هو الوحيد الذى تم إعداده ليعمل فى العلانية بالمشاركة فى الحياة السياسية فى الدول المتواجد فيها، ومصر هى البلد التى تأسس فيها وانتشر منها هذا التنظيم، وهى زعامته وقيادته الفعلية، وسقوطه ونهايته فى مصر تعنى بداية نهايته فى الدول الأخرى، خاصة الدول العربية، وهذه أكبر خسارة يمنى بها رعاة “الإسلام السياسى” فى العالم.
واشنطن ولندن تشعران بندم شديد على دفعهما للإخوان المسلمين للاستيلاء على السلطة فى مصر، حيث إن الإخوان على مدى تاريخهم لم يُعدوا للحكم، بل للضغط على الأنظمة الحاكمة فقط، فالسلطة ليست دائمة، وقابلة للتغيير حسب الظروف، وهذه التنظيمات تم إعدادها لاستخدامها لعقود طويلة، ولكن، وبسبب تطورات الأحداث على الساحة فى مصر بعد سقوط حكم مبارك، وبسبب خشية واشنطن ولندن وإسرائيل من صعود نظام ثورى مناهض لمصالحهم، تم دفعهم للاستيلاء على السلطة بشكل سريع ومفاجئ، ولم يكن الإخوان مؤهلين على الإطلاق لمهام الحكم وإدارة البلاد التى لم يُعدوا لتوليها، بالضبط كمن يقود سيارة ويُطلب منه فجأة أن يقود طائرة، ولهذا قلنا ونكرر أن الإخوان المسلمين كانوا صادقين فى البداية عندما قالوا أنهم لن ينافسوا على الرئاسة ولن يسعوا للحصول على أكثر من 30% من مقاعد البرلمان، إذ أنهم لم يكن مسموح لهم من الجهات التى توجههم وتدعمهم بأن يحصلوا على الأغلبية البرلمانية حتى لا يتورطوا فى تشكيل حكومة والدخول فى السلطة.
وبعد وصولهم للسلطة فى الرئاسة والبرلمان لم يكن الإخوان يستطيعون أن يشركوا معهم فى الحكم أية فصائل سياسية أخرى، وذلك لأن الأجندة المكلفين بها من قبل الجهات الخارجية التى توجههم لا يجوز أبدا أن تنكشف للآخرين، ومن هنا جاء الاستحواذ الفاضح على السلطات كلها، والذى انتقده حتى الجهات التى تدعمهم.
الآن سقوط تنظيم الإخوان فى مصر، كما يراه الكثيرون، هو بداية النهاية لتنظيم الإخوان المسلمين فى العالم كله، بل سيكون له تأثير مباشر على أى نظام حكم ذو توجهات أو شعارات إسلامية، وربما هذا يفسر ردود الفعل السلبية للحكومة فى تركيا على ما حدث فى مصر واعتباره اعتداء من الجيش على الشرعية الدستورية.
واشنطن ولندن ومن وراء انتقاداتهم لما حدث فى مصر وإبداء قلقهم لا تسعيان الآن لإعادة الإخوان للحكم، فهذا أمر قد انتهى وتم حسمه، كما أنه كان من البداية خطأ كبير منهما كما قلنا عندما ضغطوا على الإخوان ودفعوهم للاستيلاء على السلطة، كل ما تسعيا إليه واشنطن ولندن الآن هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالحفاظ على وجود تنظيم الإخوان المسلمين على الساحة السياسية فى مصر، وذلك حتى يتم الإعداد لإعادة تأهيله لممارسة دوره ومهامه الأصلية التى تم إعداده لها سابقا بأن يكون ورقة ضغط على النظام الحاكم، وهدف آخر أساسى أيضا من مساعى لندن وواشنطن للإبقاء على تنظيم الإخوان وهو ألا تتأثر باقى تنظيمات الإخوان المسلمين فى الدول الأخرى بسقوطه فى الدولة الأم القائدة للتنظيم العالمى للإخوان، وحتى لا تتشجع الأنظمة الحاكمة فى هذه الدول للانقضاض على تنظيمات الإخوان لديها والقضاء عليها مثلما حدث فى مصر.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.