The Controversy in US-Egypt Relations Over Aid

OPD 31 October 2013

<--

رغم وجود اتفاق بين واشنطن والقاهرة منذ العام 1998 يقضي بتقليص تدريجي للمعونات الاقتصادية التي تقدمها الأولى للأخيرة، لم تتطرق أي مراجعات من هذا النوع للمعونات العسكرية، التي انضمت إلى حزمة المساعدات الأميركية لمصر منذ العام 1979 بواقع 1.3 مليار دولار سنويا تأتي في شكل معدات وأدوات وخدمات صيانة وتدريب، لتغدو مصر بذلك ثاني أكبر دولة متلقية للمساعدات الأميركية بعد إسرائيل.

تقليص جزئي ومؤقت
في سابقة ربما تكون هي الأولى من نوعها، أضحت المساعدات العسكرية الأميركية لمصر مثار جدل بعدما أعلن الرئيس أوباما يوم 3 يوليو/تموز الماضي عن وضع ملف المساعدات الأميركية لمصر برمته قيد المراجعة. 

وبعد جدل حامي الوطيس دارت رحاه داخل أروقة صنع السياسة الأميركية، لم يخل من انقسام وتردد ومراوغة في هذا الخصوص، اهتدت إدارة أوباما إلى تقليص جزئي ومرحلي لمجمل المساعدات المقدمة إلى مصر سنويا، بشقيها الاقتصادي والعسكري على السواء.

أما جزئية هذا التقليص، فتكمن في أنه لم يشمل كل مناحي وبنود تلك المساعدات، حيث أكدت وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان أن واشنطن، التي بدأت بالفعل في تعليق تسليم بعض مكونات الأنظمة العسكرية كدبابات وطائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر وصواريخ بالإضافة إلى مساعدات نقدية قدرها 260 مليون دولار إلى الحكومة المصرية، سوف تستمر في تقديم الدعم المالي للقضايا التي تخدم الأهداف الأمنية الحيوية للجانبين، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وانتشار الأسلحة وتأمين الحدود والأمن في سيناء.

كما ستميز بين المساعدات التي تذهب مباشرة إلى السلطات المصرية والمعدات التسليحية القتالية للجيش، وتلك التي تذهب إلى المنظمات غير الحكومية وبعض المجالات غير العسكرية كالتعليم والصحة والبيئة والتنمية البشرية.

وأما مرحلية هذا التقليص فتتجلى في كونه موقوتا إلى حين تأكد واشنطن من استعادة مصر لمسيرة الديمقراطية وضمان احترام حقوق الإنسان.

ورغم أن إدارة أوباما لم تعلن صراحة عن اعتبار عزل الجيش المصري للرئيس المنتخب محمد مرسي “انقلابا” عسكريا مكتمل الأركان، فإنها ما برحت تدين ما تراه قمعا بحق أنصاره وتطالب بضرورة رفع حالة الطوارئ التي أعلنتها السلطات المصرية المؤقتة وبإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ديمقراطية عام 2014.

وبناء عليه، وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر/أيلول الماضي، أكد الرئيس أوباما أن بعض المساعدات العسكرية ستعتمد على تبني الحكومة المؤقتة في مصر مزيدا من الخطوات نحو الديمقراطية.

وفي السياق نقلت وكالة “فرانس برس” عن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جنيفر بساكي أن واشنطن ستجمد تسليم شطر من المعدات العسكرية الثقيلة والمساعدات المالية للحكومة المصرية في انتظار إحراز القاهرة لتقدم ذي صدقية نحو حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا.

وقالت باساكي، إن “الولايات المتحدة تريد أن ترى نجاح مصر”، مشيرة إلى أن “الإدارة الأميركية تعتقد أن الشراكة المصرية الأميركية ستكون أقوى عندما تشكل حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا في مصر، تشمل كل الأطياف وتقوم على أساس نظام القانون والحريات والاقتصاد المفتوح والتنافسي.

وأضافت أن الولايات المتحدة سوف تستمر في حجب بعض الأنظمة العسكرية والمساعدات المادية التي تقدمها للحكومة المصرية، إلى أن يحرز تقدم ملموس في تشكيل حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا من خلال انتخابات حرة ونزيهة، ووقف ما وصفته بحملة القمع الواسعة التي تشنها الحكومة المصرية ضد أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، ورفع حالة الطوارئ التي أعلنتها السلطات المصرية المؤقتة.

ولم تكتف إدارة أوباما بذلك، وإنما طلبت من دول الخليج العربي، التي عقدت العزم على تزويد مصر بمساعدات تقدر بعشرين مليار دولار، إرجاء خطوة كهذه إلى حين الاطلاع على تفاصيل خارطة الطريق السياسية والتأكد من تناغمها مع معايير الديمقراطية وعدم إقصاء التيار الإسلامي، حتى تتفادى مصر إصدار قوانين استثنائية تحد من الحريات العامة لكل الأطياف السياسية بغير استثناء، وأن تتبنى حزمة واضحة من الإجراءات الاقتصادية التي ترفع القلق عن مصير الاستثمارات الأجنبية في مصر.

توازنات داخلية أميركية
باعتمادها لمثل ذلك التقليص الجزئي والمرحلي، تكون واشنطن قد أدركت مستوى معقولا من التوازن بين آراء المثاليين ومواقف الواقعيين في الإدارة.

فقد جاء تجميد إدارة أوباما شطرا من المساعدات العسكرية بسبب ما جرى يوم 3 يوليو/تموز الماضي، والذي تجنب أوباما وصفه بالانقلاب العسكري، ليلبي تطلعات المثاليين المتمسكين بضرورة دعم واشنطن لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، والذين ينتابهم قلق وتشكك حيال طريقة وملابسات الإطاحة بأول رئيس مدنى منتخب في تاريخ مصر وما تمخضت عنه من تداعيات سياسية.

بعد أن أكد في حوار له مع شبكة “سي إن إن” أنه “يجب علينا توخي الحذر مع مصر، كي لا نبدو وكأننا نساعد على التصرفات التي تتعارض مع قيمنا، طالب أوباما بضرورة مراجعة علاقات بلاده مع مصر بصورة شاملة، وشرع في اتخاذ إجراءات عملية عقابية إزاء القاهرة، كإلغاء مناورات النجم الساطع في منتصف أغسطس/آب الماضي، والتي كان من المقرر لها أن تجري على الأراضي المصرية بين الجيشين المصري والأميركي.

ولنفس الأسباب أيضا أوقف عملية تزويد مصر بأربع طائرات مقاتلة من طراز إف 16، و12 طائرة أباتشي جديدة من طراز “أي إتش 64 دي”، التي كانت مقررة الشهر المقبل، وأعلنت إدارة أوباما أنها تدرس تعليق نحو 585 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر إلى أن تجرى مراجعة أوسع للعلاقات معها.

من جانبها، ترى صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن القرار الأميركي بتقليص المساعدات لمصر يشكل رسالة تحذير قوية للسلطات الانتقالية الحاكمة في القاهرة.

ففي مقال نشرته يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بعنوان: “تحذير لجنرالات مصر”، ذكرت الصحيفة أن قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بخفض المساعدات المقدمة لمصر وليس بوقفها بصورة كاملة، يعد محاولة متوازنة لحماية المصالح الأميركية في المنطقة المضطربة، كما يبرز في الوقت نفسه مدى تمسك إدارة أوباما بدعم الديمقراطية. 

وترى الصحيفة أن القرار يحمل رسالتين، أولاهما أن العلاقة بين الدولتين تظل حاسمة لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وثانيتهما أن أميركا لا يمكنها تجاهل أسلوب الجيش المصري في التعاطي مع المعارضة واستخدامه للعنف وتحوله تدريجيا للاستبداد، حسبما أوردت الصحيفة.

أما إبقاء المساعدات الخاصة بجهود مكافحة الإرهاب والأمن في سيناء وحظر انتشار الأسلحة، وإزالة الألغام، ومراقبة تجارة المخدرات الدولية والجريمة المنظمة، إضافة إلى دعم تدريب الشرطة في مجال احترام حقوق الإنسان وإنفاذ القانون، فيرضي الفريق الواقعي الذي يغلب المصالح على المبادئ والقيم.

ذلك أن استبقاء الدعم الأميركي لمصر في هذا الصدد يحمي مصالح واشنطن في الشرق الأوسط ويحول دون المخاطرة بعلاقات تضمن لها أمن إسرائيل، وتؤمن استمرار الملاحة بشكل كامل في قناة السويس، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب.

علاوة على ذلك، سيحقق الفريق الواقعي مكاسب مهمة في علاقاته بمصر كحمل الإدارة الانتقالية الحالية فيها على الالتزام بالنهج الديمقراطي وعدم إقصاء فصائل الإسلام السياسي، فضلا عن تقويض المساعي المصرية الرامية إلى تحقيق تنوع في مصادر التسليح، وإنهاء الاحتياج التام والدائم للولايات المتحدة في مجال التسلح.

وفى هذا السياق، ترى الكاتبة الأميركية في مجلة “تايم” الأميركية، جاى نيوتن سمول، أن هناك ثلاثة أسباب منعت الإدارة والكونغرس الأميركيين من قطع المعونات الأميركية، ولا سيما العسكرية منها، تماما عن مصر.

أول هذه الأسباب، شراء “تعاون ذي ثقل” بين وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) والمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، ولا سيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب في سيناء. وثانيها السماح للطائرات الأميركية بالتحليق في المجال الجوي المصري، وإعطاء السفن الأميركية الأولوية في عبور مجرى قناة السويس الملاحي، ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية هي البلد الوحيد الذى يسمح لسفنه المحملة بالأسلحة النووية عبور القناة، على عكس بقية دول العالم، التي تتخذ طريق رأس الرجاء الصالح في إرسال هذا النوع من الشاحنات. ثالثها، ربط إرسال المساعدات بالحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد للسلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979.

لذا، أكد الرئيس أوباما في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عزم بلاده إبقاء المساعدات المقدمة إلى مصر. 

وفي المحادثة الهاتفية التي أجراها وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل بالفريق أول عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع، واستغرقت أكثر من ثلاثين دقيقة، بحثت مسألة المساعدات الأميركية لمصر والتأكيد على أن مراجعتها لا تعني بالضرورة وقفها نهائيا.

قلق إسرائيلي
برغم عدائها، غير المشكوك فيه لمصر وسعيها الحثيث لإجهاض محاولاتها لإعادة صوغ العلاقات المصرية الأميركية على نحو من شأنه أن يعظم مغانم القاهرة من ورائها، لا تؤيد إسرائيل أي توجه أميركي لقطع المعونات الاقتصادية أو العسكرية عن مصر مهما تراءى لتل أبيب من مسوغات أميركية لقرار من هذا القبيل، كالدلالات غير الديمقراطية لما تشهده القاهرة منذ الثالث من يوليو/تموز الماضي.

ربما لا تبدو تل أبيب مستعدة لتحمل تبعات توقف الجهود المصرية لمحاربة الإرهاب في سيناء، فرغم نشوتها باستنزاف الجيش والشرطة المصريين هناك على خلفية الأنشطة المسلحة المتنامية للجماعات الجهادية والإرهابية المنتشرة في دروبها، ترى إسرائيل أن تعثر المساعدات الأميركية لمصر من الممكن أن يعرقل الجهود المصرية الحثيثة لقمع الأنشطة المتنامية للجهاديين في شبه جزيرة سيناء, الذين لا تشكل عملياتهم الإرهابية تهديدا حقيقيا للأمن القومي لمصر وإسرائيل على السواء فحسب، وإنما تهدد أيضا بزعزعة استقرار المنطقة برمتها.

وتخشى إسرائيل كذلك من التأثير المحتمل لتقليص المساعدات الأميركية لمصر على معاهدة السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب برعاية أميركية في العام 1979، ولا سيما أنه قد ألحق بالمعاهدة مذكرتان منفصلتان، أوجزت خلالهما الولايات المتحدة التزاماتها تجاه إسرائيل ومصر فيما يخص المعونات العسكرية والمساعدات الاقتصادية، حيث تعهدت إدارة كارتر، وقتذاك، في رسالتها إلى إسرائيل بأن تستجيب لمتطلبات المساعدات العسكرية والاقتصادية لها”. 

وبدوره، أكد وزير الدفاع الأميركي هارولد براون في رسالة مماثلة للقاهرة على استعداد بلاده للدخول في علاقة أمنية موسعة مع مصر، فيما يتعلق بمبيعات معدات وخدمات عسكرية وتمويل.

وما كادت تمر عدة أشهر على انطلاق مفاوضات كامب ديفيد رسميا أو يحل العام 1979، حتى قدمت الولايات المتحدة ما مجموعه 7.3 مليار دولار لكل من القاهرة وتل أبيب. 

وكم هي مضنية تلك الجهود التي بذلها اللوبي الصهيوني في واشنطن بالتعاون مع تل أبيب لإقناع واشنطن باستبقاء تلك المساعدات، بمقدارها الراهن وظروفها الحالية. 

ففي شقها الاقتصادي، تصب هذه المساعدات في مصلحة واشنطن أكثر من مصر، ليس فقط لأنه يعاد تدويرها أميركيا، ولكن لأنها تضمن لواشنطن استبقاء مساحة شاسعة من التأثير في القرار السياسي المصري بتكلفة زهيدة. 

أما المعونات العسكرية، فتكفل إمكانية نقل أسرار التسليح المصري لإسرائيل عبر مصدره الأوحد أو الرئيس المتمثل في واشنطن، فضلا عن الحيلولة دون تمكن مصر من إيجاد مصادر متنوعة لتسليح جيشها، خصوصا بعدما صرحت مصادر مصرية رسمية للمرة الأولى بأن القاهرة تعيد تقويم المساعدات الأميركية لمصر وتفكر جديا في الاستغناء عنها وتوخى السبل الكفيلة بتنويع مصادر السلاح.

وهذا الأمر يضمن بدوره استمرار السقف الذى حددته واشنطن وتل أبيب لقدرات مصر العسكرية، إلى جانب الحفاظ على البون الشاسع في القوة والتسليح ما بين مصر وإسرائيل لمصلحة الأخير

About this publication