أميركا وطالبان والأسد المسكوت عنه
ما هي الدولة التي كانت لها السبق في دعم طالبان أفغانستان ضد التهديد الشيوعي؟ وما هي الدولة التي دخلت العراق بحجة إسقاط نظام ديكتاتوري وخلفت وراءها الدمار وزرعت بذور التعصب الطائفي؟ إنها الولايات المتحدة من دون شك. فهل التاريخ يكرر نفسه في سوريا؟ دعونا نلق نظرة فاحصة على الأمر.
كي نتأكد من ذلك، ينبغي في البداية الاطلاع على بعض تفاصيل الموقف في سوريا. فلم يعد الصراع في سوريا صراعا بين النظام والمعارضة، فالمعارضة تعاني صراعا داخليا وتكون جبهات مختلفة ومتعددة التوجهات يصل تعدادها إلى 1000 جماعة تقريبا، وغفل الجميع عن سبب الحرب الأهلية السورية في غمرة هذا الصراع. فلم تعد الغالبية تكترث للعملية الديمقراطية، التي كانت الهدف الأساسي للأطفال الذين عذبهم زبانية النظام بسبب كتاباتهم المطالبة بالديمقراطية على جدران مدارسهم، والذين كانوا سببا في اندلاع شرارة حرب أهلية، ويبدو أن أحدا لا يكترث لمستقبل الشعب السوري.
لقد تحولت سوريا إلى مستنقع للجماعات المتطرفة الراغبة في الاستفادة من مناخ الفوضى الحالية. أهم هذه المنظمات الإرهابية جبهة النصرة، امتداد «القاعدة»، التي لا تقاتل النظام السوري وحده، بل الجيش السوري الحر منذ نشأتها. والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي انفصلت عن هذه المجموعة، وأعلنت الحرب على جبهة النصرة، وتحاول كلتا الجبهتين التفوق على بعضهما بعضا في صراع على «من هو الأكثر وحشية؟».. في هذه المرحلة تأتي الجبهة الإسلامية التي تتألف من متطرفين دخلوا المعادلة. ووقعت الضربة الأولى ضد الجيش السوري الحر، حيث جرى الاستيلاء على مقر الجيش السوري الحر في هينالي، وفجأة عززت الجبهة الإسلامية من موقفها بانضمام منشقين من الجيش السوري الحر إلى صفوفها. وتستهدف الجبهة الإسلامية «داعش»، حيث جرى الاستيلاء على مواقعها (داعش) على الحدود التركية، وهذا النجاح جعل جيش المجاهدين الذي تشكل حديثا حول حلب حليفا للجبهة الإسلامية.
في الوقت الراهن بدأت كل الأنظار تتطلع إلى أميركا «أين أميركا في هذا الجو المضطرب؟». النظرة عن كثب تظهر أن كل اللاعبين في مناخ العنف الذي لخصناه آنفا هم المجموعات المتطرفة، التي لا تدعم أي منها الديمقراطية، واختفى التسامح بين الأديان أو الآراء، وكرهوا حتى وجهات نظر بعضهم بعضا. هؤلاء يهدفون فقط إلى تطبيق نظام صارم وقاس ينسجم مع معتقداتهم المنحرفة، كما تحمل جميعها عداء للغرب. على أي حال، فالجانب الذي تعتقد أميركا أنها قد تتمكن من منحه دعما إيجابيا يبدو أنه الجبهة الإسلامية، لأن أميركا تعتقد أنها البديل الوحيد الذي يمكن التعامل معه عوضا عن الجيش الحر الذي جرى إضعافه بشكل كبير في مؤتمر جنيف الثاني.
إحدى التفاصيل التي نسيناها في هذه الصورة المخيفة هي بشار الأسد المبتهج، المسؤول عن مقتل 130 ألف شخص، فالقتال الداخلي بين المتطرفين يخدم هدفه بصورة مثالية، فالمتطرفون فقط هم من يدور حولهم الحديث عندما تذكر سوريا. والقوى العظمى تناقش من دون مبالاة المشهد المرعب للتوصل إلى «حل مع الأسد»، وكأن الأسد بريء من كل هذه الوحشية! أليس هو المسؤول عن الهجوم الكيماوي على الغوطة، والمدن التي دمرت والأطفال الذين يتساءلون «ما الذي ارتكبناه بحق الأسد؟.. وكيف نُسينا بهذه السرعة؟». كم كان من السهل والسرعة شرعنة ديكتاتور دموي.
ينبغي على العالم أن يعي جيدا بيان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، بشأن القضية، الذي أصدره قبل عدة أيام، والذي قال فيه «إن بعض الدوائر تحاول تصوير الأسد على أنه أقل شرا من «القاعدة». لكن نظام الأسد لم يقاتل «القاعدة»، ووجود «القاعدة» يعطي جوا من الشرعية للنظام، وبالمثل تمنح الضغوط على النظام شرعية مماثلة لـ«القاعدة»، ومن ثم فإنهم يستفيدون ويدعمون بعضهم بعضا.
هذه القوة ستسفر عن زيادة عمليات القتل التي يمارسها نظام الأسد. ولذا ينبغي على الولايات المتحدة صياغة استراتيجيتها بدقة كي لا تكرر الأخطاء التي ارتكبتها في أفغانستان.
ولن تتمكن أميركا، التي تحاول الحفاظ على مسافة مع الشرق الأوسط في ظل إدارة أوباما، من النجاح في ذلك والمؤكد أنها لن تفعل ذلك، لأن عنف المتطرفين الذي أطلقته حرب العراق لن يترك أميركا في حال سبيلها. فالعراق الذي دمرته أميركا «ليس أقل عنفا أو أكثر ديمقراطية أو أكثر رفاهية»، كما زعم أنتوني بلينكن، نائب مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما عام 2012، فالعنف لا يزال ماثلا في العراق بصورة لم تشهدها البلاد من قبل، فقد ارتفع عدد التفجيرات إلى 40 تفجيرا انتحاريا شهريا. كما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى مصرع 8000 عراقي في عام 2013 وحده، والذي يشكل أكبر معدل لسنة من السنوات منذ عام 2008.
لذلك ينبغي على أميركا أن تشارك بما هو أكثر من بعض كلمات للتهدئة. ينبغي أن تجرب سياسة مختلفة، بدلا من مجرد الاختيار بين متطرف أو ديكتاتور من بين كثيرين، وعوضا عن ذلك ينبغي عليها تشكيل تحالف مع مسلمين معتدلين لا بالأسلحة بل عبر الاستثمار في التعليم. ينبغي عليها دعم نظام تعليمي يعمل على تحييد التعصب الذي يجعل المتطرفين أكثر تطرفا. وقد أكد قادة مسلمون على هذه الحقيقة المهمة.
لكن، هل ينبغي على أميركا أن توجد في الشرق الأوسط؟ نعم، ينبغي عليها ذلك، لكن من دون دبابات أو أسلحة أو طائرات من دون طيار، بل بمفهومها عن الحرية والإخاء والحب والديمقراطية. تستطيع أميركا والشرق الأوسط أن يستفيدا من بعضهما بعضا، إلا أننا لم نتبادل هذه المنافع بعد، لأننا محصورون بين الأسلحة والقنابل والطائرات من دون طيار. هذا لا يتوافق وطبيعة الشرق الأوسط. فالشرق ليس عصيا، لكننا بحاجة إلى وضع نهاية للمفاهيم التي عفى عليها الزمن بالتفوق والبدائية والأساليب الفاشلة التي تنتهجها الولايات المتحدة في كثير من الأحيان، واستهداف شيئين مهمين لم نجربهما من قبل، عوضا عن ذلك: التعليم والتحالف.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.