Democracy, the American Way

<--

هل يحق للانسان العربي الحلم بديمقراطية تسمو على فكرة التقسيم المذهبي والتحزب الطائفي والخلاف الجغرافي أو الشروخ المجتمعية العمودية منها والأفقية؟

منذ سقوط العراق بدا واضحا أن نموذج يوغسلافيا يشكل الهاجس الأكبر والمحرك الأساس لمشروعات برسم التصدير عبر بوابة الديمقراطية الأمريكية؟ ولعلنا اليوم أحوج ما نكون إلى ان نقف مجددا مع أنفسنا ونواجه آلة الدمار والتفتيت التي باتت لا توفر اقليما او دولة، طائفة أو عائلة.

ما هي الديمقراطية التي نتحدث عنها عندما تسكننا هواجس التقسيم وفقا للأصول والدين، وعن أي نتاج سياسي نتحدث عندما نضطر أن نطلب شهادة فحص “DNA” لنحدد طبيعة تعاملنا مع الانسان او المكان. هل سقطنا في فخ الديمقراطية الزائفة؟ الديمقراطية هي سلوك ثقافي ناتج عن وعي تراكمي وخلاصة لتجارب سلبية او ايجابية. أما الديمقراطية التي لا توجهها البوصلة الايديولوجية فهي باختصار تجذير لحالة من الحرب الأهلية القابلة للانفجار في أية لحظة ولأهون الأسباب.

هناك فارق واضح بين الذهنية الأمريكية والعقلية الأوروبية في فهم طبيعة ومفهوم الديمقراطية الحقيقي.

الأوروبيون يعتبرون ان الايديولوجية هي العامل الأهم في تشكيل التحزبات القادرة على ادارة المشهد الديمقراطي، اما الأمريكيون فما زالوا يصرون على سياسة التسطيح والتبسيط و تقسيم المجتمع الى مكونات متعددة وفقا لحسابات الجغرافيا و العرق والطائفة أو المذهب.

مع ذلك ما زالت مراكز ما يسمى نشر الديمقراطية الأمريكية تنفق الملايين لتقسيمنا وتفتيتنا وفقا لرؤيتهم لنا لا لواقعنا الذي نعيش. الحقيقة أن الديمقراطية لا يمكن أن تُبنى على الاثنية أو المذهبية او الطائفية او حتى على المحاصصة الانتهازية.

المشروع الديمقراطي الحقيقي هو أداة قادرة على صهر الاختلافات العرقية والمذهبية والطائفية ضمن اطار سياسي ايديولوجي وفكري قادرة على وضع نهاية لأشكال التحزبات المذهبية او الصراعات الدينية والعرقية كافة.

هناك اصرار غريب منذ اللحظة الأولى لنهاية الحرب الأهلية في لبنان وولادة ما يسمى النموذج “الديمقراطي” تعرض العقل العربي لحملات تسويقية ممنهجة تهدف لتجذير شكل هذا النموذج وترسيخه في الذهنية العربية. النموذج اللبناني في حقيقته ليس نموذجا ديمقراطيا بل هو اقرب الى نموذج تعايشي مؤقت يتناقض مع حقيقة أي مشروع ديمقراطي. من يمارس الديمقراطية عبر تكريس المفاهيم الاثنية والمذهبية و الدينية هو أبعد ما يكون عن الديمقراطية وتكريس لحالة من فقدان التناغم وتعزيز للشرخ القائم في المجتمع اللبناني الذي يجعل من الحرب الأهلية خيارا دائما على طاولة الخلاف السياسي.

التفكير في المشكلة يقودنا الى تشخيص أدق لواقعنا المجتمعي البائس سياسيا. فمجمل الهويات الوطنية التي لم تنتج ضمن خطة اندماج مجتمعي وثوابت وطنية عميقة تتجاوز في مضمونها الشخوص. المنتج الطبيعي اليوم – للأسف- هو هويات هشة غير قادرة على مواجهة التحديات والهزات.

ولعل تشابه معظم هذه الهويات في حالة تكوينها يساعد في تشخيص أدق للمشكلة. حيث إن هذه الهويات انتقلت من الحقبة الكولونيالية إلى شكل “الدولة المدنية” بصورة سريعة دون الدخول في المخاض الطبيعي لعملية النمو الفكري في مسألة القيمة الإنسانية وشكل الدولة ومفاهيمها الأساسية من حرية وعدالة ومساواة.

About this publication