تبقى المفاوضات هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء الصراع ، سواء كان هناك نصر عسكري ساحق أو استسلام دون قيد أوشرط ، ففي الحالتين لا بد من أن يجلس ممثلو الطرفين المتصارعين على مائدة المفاوضات لوضع الأسس التي ستقوم عليها علاقتهما المستقبلية سواء كانت علاقات الند بالند أو علاقة الاذعان والرضوخ لشروط الطرف المنتصر. وإذا كنا لا نزال نعاني من آثار حرب 1967 فإن هذه الحرب لم تنته بعد ، وما زالت دائرة بأشكال مختلفة تتمثل في استمرار السيطرة العسكرية الاسرائيلية على الأرض والشعب الفلسطيني وإخضاع هذا الشعب لشتى أشكال القمع واستمرار جمع غنائم هذه الحرب سواء الاستيلاء على الأرض أو خيراتها ، ولن تنته هذه الحرب إلا إذا وقعنا مع الاسرائيليين وثيقة سلام أو استسلام.
والمتتبع لمجريات الأمور يلاحظ أن المفاوض الفلسطيني يحاول عبثا توقيع وثيقة سلام مع إسرائيل ، في حين أن إسرائيل تحاول عبثا إرغام الفلسطينيين على توقيع وثيقة الاستسلام. وستبقى الأمور تراوح بين هذين الموقفين المتناقضين إلى أن يستطيع أحد الطرفين حسم الأمور لصالحه.
فقد خسر العرب المعركة عام 1967 ولكننا نحن الشعب الفلسطيني لم نقبل أن يخسر العرب الحرب ونكون نحن ثمنا لذلك ، وما زلنا رغم انسحابهم من ساحة المعركة نكابر ونقاوم ونرفض الاقرار بالهزيمة.
ومع أننا لم نقبل بالهزيمة ولم نوقع الاستسلام إلا أن أداءنا في هذا الصراع يقترب حينا من نقطة تجعل الخصم يعتقد بأننا قبلنا الاقرار بالهزيمة ، ثم يقترب حينا آخر من النقطة التي تسبب للخصم خيبة الأمل وتجعله يكتشف بأننا لم نستسلم .
لقد كانت مرحلة أوسلو مرحلة رمادية أوهمت الطرف الأسرائيلي بأننا تعبنا ونوشك أن نوقع وثيقة الاستسلام ولكن الصمود الأسطوري للرئيس الراحل ياسر عرفات بدد هذا الوهم وكانت النتيجة أن دفع الرئيس الشهيد حياته ثمنا للصمود ورفض الاستسلام.
ونحن نذكر جيدا حرب الاغتيال المعنوي التي تم شنها ضد الشهيد ياسر عرفات باعتباره عقبة في طريق السلام وليس شريكا ، والضغط عليه للتخلي عن رئاسة الوزراء والبحث عن بديل له يكون أكثر تساوقا واستجابة للمطالب والمقاسات الاسرائيلية ، ووقع خيارهم آنذاك على الأخ محمود عباس ” أبو مازن ” معتقدين أنه سيكون أكثر تجاوبا وتعاطيا مع مخططاتهم.
واليوم يصابون بخيبة أمل جديدة بعد أن اكتشفوا بأنهم أخطأوا في حساباتهم وأن الرئيس عباس لا يختلف عن الرئيس الراحل ياسر عرفات إلا في الأسلوب. فهو أكثر مرونة ، ووضوحا ُ ولكنه لا يمكن أن يفرط بحقوق شعبه وأنه وضع لنفسه خطوطا حمراء لن يتجاوزها وأن ليس أمامهم سوى التعامل مع هذه الخطوط أو استمرار الصراع والنزاع إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
المشكلة لا تكمن في الجانب الفلسطيني وإنما في عدم فهم حقيقة أن شعبنا وإن أبدى ومن خلال قيادة كقيادة محمود عباس أقصى قدر من المرونة لا يستطيع ولن يقبل الاستسلام والركوع أمام أطماع الاحتلال التي لا حد لها.
ولا شك بأن المعادلة الحالية للوساطة والصراع لا تبشر بأن من الممكن التوصل قريبا إلى تسوية سلمية لهذا الصراع ، ذلك لأن الوسيط الأمريكي عاجز عن الضغط على طفله الملل إسرائيل وإبعاده عن الهاوية التي يوشك أن يقع فيها ، كما أن هذا الطفل المدلل يعاني من عقدة الفوقية والغطرسة والتسلط ولا يقبل التخلص منها ، كما أننا نحن لا نستطيع السير على أهواء هذا الطفل ولن نرضخ لها .
ويبقى السؤال ما العمل ! ويبقى الجواب حائرا لأننا في منتصف الطريق بين الدولة واللا-دولة وأن خيار العودة إلى طريق الثورة غير ممكن في ظل القيادة الحالية والمعطيات المحيطة بها ، والاستمرار على الطريق الحالي غير مضمون العواقب ولا بد من تغيير كل الأدوات الفلسطينية البشرية والمادية إذا ما كنا نريد أن تتغير النتائج لأنه من قمة الغباء أن نظل نكرر نفس العمل بنفس الأدوات ونتوقع أن تكون النتائج مختلفة.
لقد استيشر البعض بالحماس الذي أبداه جون كيري في بداية مهمته ولكنه خيب الآمال لأنه لم يأخذ العبرة من سابقيه من الوسطاء الأمريكيين. لقد استعان بمارتن إينديك وهو يهودي معروف بانتمائه إلى سياسة جناح المركز في حزب العمل وهي السياسة التي فشلت في تقديم أي موقف أو عرض يلتقي مع الحد الأدنى المقبول فلسطينيا ، كما أن كيري كان يتشاور في كل صغيرة وكبيرة مع نتنياهو قبل أن ينقلها إلى الجانب الفلسطيني تمشيا مع المبدأ الأمريكي بأن لا تقترح أمريكا أي شيء لا تقبله إسرائيل ، وبالتالي فقد قامت مبادرة كيري على أساس طرح ما يريده نتنياهو دون زيادة أو نقصان الأمر الذي حول المفاوضات إلى الطلب منا بأن نرضخ ونقبل بما يريده نتنياهو الذي يحرص على الائتلاف اليميني الحاكم برئاسته أكثر من حرصه على أي تقدم في المفاوضات ناهيك عن أنه هو نفسه ينتمي أيديولوجيا وعاطفيا وتاريخيا الى هذا اليمين ولذا فلم يكن هناك أي سبب للاعتقاد بأن مهمة كيري ستأتي بجديد.
ومع بقاء شهر حتى انتهاء مهلة التسعة أشهر ، ومع التصريحات الأمريكية بأن واشنطن لم تغسل يديها من العملية بعد ، فإنه يمكن قول التالي:
إن الفرصة الأخيرة أمام واشنطن في هذه المحاولة التفاوضية هي الأقرار بأن الخطوات التي قامت بها السلطة الفلسطينية للانضمام لخمسة عشر منظمة دولية هي خطوة لا تمس بإسرائيل طالما أن فلسطين لم تتقدم بعد بطلب إلى محكمة الجرائم الدولية ولم تبدأ الحملة بالمطالبة بمقاطعة إسرائيل أسوة بما تم ضد جنوب أفريقيا إبان الحكم العنصري ، وأن على أمريكا إن أرادت أن تنقذ إسرائيل من نفسها القيام بمبادرة تقوم على الأسس التالية:
أولا ، الالتزام الأسرائيلي بتجميد كامل للاستيطان في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس إلى حين انتهاء المفاوضات والتوصل إلى تسوية أو الاعلان عن فشل المفاوضات والتخلي نهائيا عن فكرة البحث عن تسوية سياسية للصراع.
ثانيا ، الاعتراف بالسيادة الفلسطينية على الأراضي المصنفة ” أ ” و ” ب ” والالتزام بعدم الدخول إليها أو التحرش بها وبحق السلطة الفلسطينية بالقيام في الأعمال التطويرية في المناطق السكانية والزراعية في المنطقة المصنفة ” ج ” والالتزام الاسرائيلي بالتوقف عن أعمال الهدم والتجريف والأنشطة العسكرية ذات الطابع الاستيطاني في هذه المناطق.
الأحد … وكل يوم أحد ….فشل كيري … وإمكانية إنقاذ مهمته!
ثالثا ، الالتزام الفلسطيني بأن لا يتم التقدم بأية طلبات جديدة للانضمام للمنظمات الدولية إلى حين انتهاء المبادرة الأمريكية ، والتحلي بضبط النفس وعدم القيام بأية خطوات أحادية من شأنها أن تمس بالعملية التفاوضية.
رابعا ، وعلى ضوء ما ذكر أعلاه ، وبعد الالتزام بتنفيذه ، يتم تمديد المفاوضات لمدة عام واحد مع الالتزام بأن لا يبقى أي أسير فلسطيني في السجن أو في الابعاد عند الاتفاق والتوقيع على أي اتفاق على إنهاء الصراع.
وللأسف الشديد فإنني لا أعتقد بأن المقترحات أعلاه يمكن أن تكون مقبولة من قبل إسرائيل كما أنني لا أعتقد بأن أمريكا قادرة على حمل إسرائيل على قبولها ، وإن صح هذا القول فإن الصراع سيظل مفتوحا على كل الاحتمالات.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.