جاءت أزمة القرم لتعكر صفو العلاقة الأميركية الروسية المتنامية، وبخاصة بعد الأزمة السورية، واتفاقية نزع الأسلحة الكيماوية في سورية. كثير من المحللين اعتقدوا أن الولايات المتحدة وروسيا توصلتا إلى تفاهمات حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية. لكن يبدو أن ذلك كله أصبح على محك الأزمة الأوكرانية التي أدت إلى توتر العلاقات الغربية الروسية، وبما يذكرنا بالحرب الباردة. لكن، هل يستطيع الرئيس الأميركي باراك أوباما المضي قُدما في خيار تصعيد العلاقََََََة مع روسيا، من خلال فرض عقوبات اقتصادية إضافية، وتقليص حجم التعاون السياسي بين البلدين؟ الإجابة عن السؤال ليست سهلة، لأن هناك أطرافاً أميِركية تدفع باتجاه التصعيد مع روسيا. وفي ظل غياب استراتيجيّة واضحة لأوباما حيال الأزمة، فإنه قد يتخبط في سياسته نحو روسيا أكثر فأكثر، ويستمر في زيادة العقوبات الاقتصادية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكنه لن يستطيع أن يعيد عقارب الساعة إلى الخلف فيما يتعلق بشبه جزيرة القرم. إضافة الى ذلك، فإن أوباما يحتاج إلى روسيا في العديد من الملفات، وفي حال صعّد أوباما العقوبات ضد روسيا، فإنه يخاطر بملفات سياسية أخرى أكثر أهمية من القرم بالنسبة له. بداية، فإن روسيا معنيّة بالاستقرار في أوكرانيا، كما الولايات المتحدة معنيّة بالاستقرار في المكسيك. وهناك مصالح جيو-استراتيجية مشروعة لموسكو في أوكرانيا لا يمكن إنكارها، إلا إذا كان الهدف هو إضعاف روسيا.
علاوة على ذلك، هناك عدد من من الملفات الدولية والإقليمية التي تحتاج أميركا إلى مساعدة روسيا في التعامل معها، وإذا ما ذهبت أميركا باتجاه العقوبات الإضافية على روسيا، فإنها تخاطر بدفع ثمن ذلك في أماكن أخرى. من الملفات العديدة المهمة للمصلحة الاستراتيجية الأميركية التي لا يمكن إنجازها من دون التعاون مع روسيا، ثلاثة ملفات في الشرق الأوسط، هي: الملف النووي الإيراني، والذي لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تنجح فيه من دون دور مهم لروسيا يُمكن أن تلعبه مع حليفتها إيران. بعباره أخرى، فمن دون الدعم الروسي في الملف الإيراني، فإن أميركا تخاطر بإيران نوويّة، وسباق نووي خطر في منطقه الشرق الأوسط، سيشكل تهديداً مباشراً للمصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، ويهدد المصالح الاقتصادية الأوروبية. أما الملف الثاني، فهو الأزمة السورية. فقد خدمت الدبلوماسية الروسية المصالح الأميركية في المنطقة. إذ إنه لولا التدخل الروسي في نزع فتيل الأسلحة الكيماوية، فإنه كان من المستبعد أن يقبل الرئيس بشار الأسد إبرام اتفاقية لنزع أسلحته الكيماوية. كما أنه من غير الممكن تصور إيجاد حل سلمي وسياسي للأزمه السورية من دون الشراكة الأميركية الروسية لإنهاء الأزمة، والتوصل إلى حكم انتقالي يضمن مشاركة جميع الأطراف، ويحارب الإرهاب داخل سورية. وليس بعيداً عن الشرق الأوسط، فإن أميركا غارقة في المستنقع الأفغاني، ويحاول الرئيس أوباما تخفيف الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، تمهيداً للانسحاب الكامل من هذا البلد في العام المقبل. وتعتمد الولايات المتحدة الآن، بشكل رئيس، في إمدادات الجيش الأميركي في أفغانستان، على خطوط المواصلات البرية والجوية من خلال روسيا. ومن المرجح أن يزداد اعتمادها على التعاون الروسي في حالة الانسحاب، وبخاصة في نقل المعدات والأسلحة عبر الأراضي والأجواء الروسية. لا بل أكثر من ذلك، فإن أميركا سوف تحتاج إلى روسيا بعد انسحابها من أفغانستان لقدرتها الاستخباراتية، وعلاقاتها مع أطراف النزاع، واللذين سيكون لهما أهمية في تحقيق الاستقرار في أفغانستان بعد الانسحاب منها. العالم اليوم مكان تعتريه مخاطر جمة، والولايات المتحدة تحتاج إلى مساعدة روسيا في التعامل معها. والمضي في تأزيم العلاقة مع روسيا سوف يجعل العالم أكثر خطراً، ولن يخدم المصالح الأميركية والغربية والعالم. إن انفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا واتحادها مع روسيا، أصبح حقيقة ماثلَة. فالولايات المتحدة ليست لديها الإرادة ولا الوسائل لتغيير هذا الواقع. وقد يكون من الحكمة بمكان لكل الأطراف العودة الى طاولة المفاوضات، لأن المُضي قُدّماً في تصعيد العقوبات سوف يزيد الأمر سوءًا لكل الأطراف.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.