”.. تعرف أفغانستان بـ “مقبرة الامبراطوريات”.. حيث انها تشتهر بأنها تذل من يسعي لاحتلالها – وفقاً للقناة – مشيرة إلي كل من الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات من القرن الماضي. وكذلك الامبراطورية البريطانية خلال القرن التاسع عشر واضطرارهما للانسحاب منها بعد أن خسرا ما بدا في البداية أنه انتصار سهل التحقيق.. واختتمت “سي إن إن” عرضها قائلة: إن القوات الأميركية تعلم الآن أن طالبان تلعب معهم لعبة الوقت.”
أعلنت قناة “سي إن إن” الاخبارية الاميركية في تقرير لها بثته قبل أيام أن الحرب التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفائها على حركة طالبان في افغانستان كلفت دافعي الضرائب الاميركيين 3 مليارات دولار. إضافة إلي الفزع الذي عاشته وتعيشه القوات الدولية هناك. وكذلك المواطنون الأفغان أنفسهم بسبب هجمات حركة طالبان.. متسائلة: ماذا حققت الحرب علي التنظيم؟! وقالت القناة في عرضها للخسائر التي أصابت القوات الغربية إن 3500 جندي لقوا مصرعهم. إضافة إلى عشرات الآلاف من الأفغان خلال سنوات الحرب التي بدأت في 2001. وأشارت إلى أن القوات الأفغانية انسحبت الأسبوع الماضي من موقعين داخل مقاطعة هلمند وهما لاشكار وجاه وسانجين. مانحة الفرصة لطالبان لفرض سيطرتها على باقي المقاطعة. وتعرف أفغانستان بـ “مقبرة الامبراطوريات”.. حيث انها تشتهر بأنها تذل من يسعي لاحتلالها – وفقاً للقناة – مشيرة إلى كل من الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات من القرن الماضي. وكذلك الامبراطورية البريطانية خلال القرن التاسع عشر واضطرارهما للانسحاب منها بعد أن خسرا ما بدا في البداية أنه انتصار سهل التحقيق.. واختتمت “سي إن إن” عرضها قائلة: إن القوات الأميركية تعلم الآن أن طالبان تلعب معهم لعبة الوقت.
احتل الاتحاد السوفيتي السابق افغانستان عام 1978. لكنه ووجه بمقاومة شرسة من قبل ما عرف بالمجاهدين الأفغان وكذلك المجاهدون العرب الذين انضموا اليهم في ما عرف بالجهاد ضد الاحتلال السوفيتي. وتم دعم المقاتلين من قبل الاستخبارات الاميركية كما تم دعمهم ماليا من قبل بعض حكومات بلدان المنطقة العربية وتشجيع الشباب على الهجرة والانخراط في صفوف المجاهدين. مما اجبر في النهاية القوات السوفيتية على الانسحاب من افغانستان. وبعد الانسحاب، تقاتل حلفاء الأمس من المجاهدين وهيمن على افغانستان حالة من الفوضى والقتال بين الفرقاء. وفي هذه الاجواء ظهرت حركة طالبان وهم طلاب الشريعة بزعامة الملا محمد عمر وسيطروا بشكل سريع على اجزاء شاسعة من افغانستان بما في ذلك العاصمة كابول ليعلنوا قيام امارة اسلامية في افغانستان. وكان من بين المقاتلين العرب في صفوف الافغان، اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الذي كان قد انتقل اليها بعد خروجه من السودان.
واستمرت الحركة في حكم افغانستان، ولم يكن يعترف بها سوى باكستان والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة الذين سحبوا اعترافهم بها فيما بعد، الى ان وقعت هجمات 11 سبتمبر2001 على مقر وزارة الدفاع الاميركية (البنتاجون) وبرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. وعندها طالب الرئيس الاميركي في ذلك الوقت جورج بوش الابن حكومة طالبان بتسليم ابن لادن وعناصر القاعدة بزعم انهم هم من شنوا الهجمات على الولايات المتحدة. وطالب الملا عمر زعيم الحركة من الادارة الاميركية تقديم ادلة تورط ابن لادن، كان رد الولايات المتحدة في اكتوبر 2001 قصف ومهاجمة افغانستان وتشكيل قوات تحالف دولية للاطاحة بحكومة طالبان وهو ما تم بالفعل.
ومع ذلك، لم تسكت طالبان. بل ظلت تحارب القوات الأميركية وقوات التحالف اضافة الى القوات الحكومية الافغانية التي اقامتها القوات الاميركية والدولية. ويستمر القتال حتى اليوم. والواقع هو ان قوات طالبان صارت تشكل تهديدا كبيرا وتحقق تقدما في كثير من المناطق وذلك لانها تجيد عمليات الكر والفر وهي ادرى بالطبيعة الجبلية لافغانستان. ومن ثم فانها تقوم بعمليات نوعية ضد قوات الاحتلال وضد القوات الحكومية وتوقع بها اعدادا من القتلى بما في ذلك هجماتها المتكررة على القواعد الاميركية، بشكل فرض على الولايات المتحدة والحكومة الافغانية القبول بالتفاوض مع طالبان بغية التوصل الى حل توافقي، يجعل الحركة شريكا في حكم افغانستان, وذلك اعترافا بقوتها. وهو الامر الذي تستغله الحركة وتناور به. وذلك لانها تدرك مدى ضعف الحكومة الافغانية وقواتها. وتعلم جيدا ان بقاء هذه الحكومة واستمرارها رهن باستمرار وجود القوات والدعم الاميركي وقوات حلف شمال الاطلسي.
لكن الدول المشاركة في التحالف الذي قادته الإدارة الأميركية في السنوات الاخيرة بدأت تعلن انسحاب قواتها تباعاً، والنتيجة واضحة أن كل سنوات الحرب لم تستطع القضاء على حركة طالبان كما ادعت أميركا مسبقا. وهو الامر الذي يزيد من قوة طالبان لعلمها بان انسحاب القوات الاجنبية من افغانستان بات وشيكا وان ساعة الحسم قد اقتربت لتنقض على الحكومة الافغانية الحالية فور انسحاب تلك القوى. الامر الذي يدفع الادارة الاميركية الحالية للرئيس باراك اوباما الى العمل على التهرب من المستنقع الافغاني وترحيله لخليفة اوباما المقبل.
وثمة اجتماعات تتم من حين لآخر بين مسئولين من الحكومة الافغانية ومسئولين من حركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة بغية التوصل الى تسوية. لكن حتى الان، لا يوجد هناك مفاوضات جدية وحقيقية بين الطرفين. وكل ذلك بغية التوصل الى تسوية، تدفع بالاميركان الى الخروج بشكل يحفظ ماء الوجه من افغانستان. بما يعني اعلان فشلهم الذريع في تحقيق الاهداف التي اعلنوها لغزو افغانستان، بالقضاء على تنظيم القاعدة والقضاء على طالبان. فقد بقيت طالبان وصارت اقوى من الأول. كما بقيت القاعدة وتفرعت وانتشرت بشكل غير مسبوق ليس في افغانستان فحسب، بل وصلت الى المنطقة العربية وغيرها كما هو حال افرعها من تنظيم الدولة والنصرة وانصار بيت المقدس وبوكو حرام وغيرها. لتجني اميركا من سياستها الخاطئة الخسران الكبير سواء على مستوى الارواح التي ازهقت من قوات الاحتلال او الافغان وغيرهم او عدد الجرحى والمصابين جراء الحرب او على مستوى المليارات التي تم انفاقها من اجل كسب الحرب بلا طائل، او على مستوى صورة الولايات المتحدة كقوة عظمى لديها اقوى الاساطيل البحرية والجيوش وتمتد قواعدها العسكرية في انحاء العالم. ليعجز كل ذلك عن الانتصار على مقاتلين ربما لا يحملون الا اسلحة تقليدية بسيطة. ولتعض اميركا اصابعها غيظا على ذهاب كل ما انفقته وتكبدته في ذلك هباء.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.