كل من يدهشهم ويغضبهم ويحيرهم الدعم السخي والمستمر، بلا حدود ولا قيود، الذي تقدمه الولايات المتحدة، حكومة وشعباً، إلى «إسرائيل»، سيجدون في هذه الوثيقة المصورة ما يبدد حيرتهم، ويجيب عن تساؤلاتهم. غير أن نيران غضبهم لن تَخمد. والأرجح أن يستعر لهيبها أمام حقائق مؤلمة ومخجلة عن التجاهل المتعمد لحقوق الشعب الفلسطيني ومعاناته، بل التحامل عليه، والتحيز ضده. يستوي في ذلك الإدارات المتعاقبة والسياسيون والإعلام والرأي العام.
الوثيقة التي نتحدث عنها عبارة عن فيلم أمريكي وثائقي جديد عنوانه: «احتلال العقل الأمريكي: حرب العلاقات العامة «الإسرائيلية» في الولايات المتحدة». الفيلم مدته 82 دقيقة وأنتجته مؤسسة متخصصة في التعليم الإعلامي. وكما يشير عنوانه، فإنه يتحرى تأثير الدعاية الصهيونية على الرأي العام، ونجاحها في تشكيله وتوجيهه من خلال السيطرة على وسائل الإعلام.
يعرض الفيلم كيف تحول السياسيون الأمريكيون ابتداءً من رئيس الجمهورية، مروراً بأعضاء الكونجرس والوزراء، إلى متحدثين باسم «إسرائيل». بالتوازي مع ذلك يستعرض الآليات التي يلجأ إليها الإعلام الموالي لـ«إسرائيل» لتشكيل رأي عام مؤيد لها باستخدام أحدث ما توصلت إليه الدراسات العلمية في مجالات الإعلام والدعاية والتسويق والرأي العام.
أهمية الفيلم لا تكمن فقط في كشف التكتيكات الدعائية، ولا فضح المواقف غير الأخلاقية للسياسيين والإعلاميين، ولكن أيضاً في أنه يبدد الكثير من الأكاذيب والأوهام التي تروجها الدعايات اليهودية، وتجعلها أشبه بالمسلمات لدي الأمريكيين.
على سبيل المثال ينسف الفيلم أكذوبة «إسرائيل» المسالمة المدافعة عن نفسها أمام «الإرهاب الفلسطيني» بمشاهد تصور ما يحدث عند حواجز الطرق في الضفة، وكيف يتعرض الفلسطينيون للإهانة والعنف.
ما يقوم به الإعلام الأمريكي في الواقع أشبه بالشحن اليومي لتغذية وتنشيط مفاهيم رسّخها منذ سنوات في ذهن المواطن، ويحرص على أن تظل ثابتة ومحصنة، ضد أي محاولة لتعديلها. يقدم الدكتور رشيد خالدي، المؤرخ في جامعة كولومبيا توضيحاً لذلك، بالإشارة إلى أن الإعلام (عند تغطية هجمات الطعن بالسكاكين مثلاً) يغفل تماماً أسباب وجذور الصراع والعداء مكتفياً بالحديث عن «الفلسطينيين الذين يقتلون لأنهم يكرهون، وهم يكرهون لأنهم متطرفون مسلمون مغيبو العقل، أو لأي سبب آخر». هكذا يصنع الإعلام الرأي العام. وهكذا تكسب «إسرائيل» عقول وقلوب وأموال الأمريكيين. وهذا هو مكسبها الحقيقي من وجهة نظر روبرت جينسين، أستاذ الصحافة في جامعة تكساس. لأنه لم يكن بوسع «إسرائيل» أن تواصل احتلال الأراضي الفلسطينية بدون دعم عسكري ودبلوماسي واقتصادي من الحكومة الأمريكية. وليس بوسع أي حكومة أمريكية أن تواصل هذا الدعم، من دون مساندة أو على الأقل قبول مواطنيها.
لا يعنى هذا أن تشكيل الرأي العام الأمريكي، على هذا النحو المؤيد لـ«إسرائيل»، يعود إلى قوة اللوبي اليهودي، كعامل وحيد وحاسم. لأنه لو لم يكن هذا اللوبي يتحرك في بيئة سياسية مواتية، ومهيأة لدعم «إسرائيل»، ما كان قد قدر له تحقيق هذا النجاح الكبير.
وهذه الملاحظة المهمة رصدتها وحللتها بتوسع باحثة جادة هي الدكتورة روجينا الشريف، وسجلتها في كتاب مهم صدر منذ سنوات بعنوان «الصهيونية غير اليهودية». ضمن ما قالته إن الحديث عن قوة اللوبي اليهودي في واشنطن، واعتباره صانع السياسة الأمريكية الموالية لـ«إسرائيل» تفسير ساذج للتأييد الأمريكي لـ«إسرائيل». لأنه ما كان للوبي اليهودي أن يبلغ مستوى نفوذه الحالي، لولا أنه يعمل في بيئة ملائمة إلى أقصى حد للأفكار الصهيونية.
لمن لا يملك الوقت للبحث في سيطرة النفوذ اليهودي على الإعلام، لا يحتاج لأكثر من 82 دقيقة فقط، ليعرف الحقيقة من هذا الفيلم. هذا ملخص نصيحة يقدمها روبرت مكنيس، أستاذ الاتصال في جامعة الينويز لطلابه. وبعد أن يصف الفيلم بأنه أحد أروع الأعمال الوثائقية التي شاهدها في حياته، يخبرهم بأن الفيلم سيشرح لهم كيف يمكن للمصالح القوية أن تتلاعب بالأخبار والسياسيات في مجتمع حر. وكيف حول الإعلام الفلسطينيين إلى «لا شعب بلا حقوق ولا يستحق العدل». ويختم قائلاً: هذا الفيلم سيغير طريقة فهمكم للعالم.
– See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/9c76109a-9d56-462a-b42a-69a1a8fc4598#sthash.0WIFnI49.dpuf
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.